يولد له إلّا البنات ، فقالت : (عَسى أَنْ يَنْفَعَنا) فنصيب منه خيرا (أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) ، (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) فيه أربعة أقوال : أحدها : لا يشعرون أنّه عدوّ لهم ، قاله مجاهد. والثاني : أنّ هلاكهم على يديه ، قاله قتادة. والثالث : لا يشعر بنو إسرائيل أنّا التقطناه ، قاله محمّد بن قيس. والرابع : لا يشعرون أنّي أفعل ما أريد لا ما يريدون ، قاله محمّد بن إسحاق.
(وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠) وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١١) وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ (١٢) فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣))
قوله تعالى : (وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً) فيه أربعة أقوال : أحدها : فارغا من كلّ شيء إلّا من ذكر موسى ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، وعكرمة ، وقتادة ، والضّحّاك. والثاني : أصبح فؤادها فزعا ، رواه الضّحّاك عن ابن عباس ، وهي قراءة أبي رزين ، وأبي العالية ، والضّحّاك ، وقتادة ، وعاصم الجحدري ، فإنهم قرءوا : «فزعا» بزاي معجمة. والثالث : فارغا من وحينا بنسيانه ، قاله الحسن ، وابن زيد. والرابع : فارغا من الحزن ، لعلمها أنّه لم يقتل ، قاله أبو عبيدة. قال ابن قتيبة : وهذا من أعجب التفسير ، كيف يكون كذلك والله يقول : (لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها)؟! وهل يربط إلّا على قلب الجازع المحزون؟!
قوله تعالى : (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) في هذه الهاء قولان : أحدهما : أنها ترجع إلى موسى. ومتى أرادت هذا؟ فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنه حين فارقته ؛ روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال : كادت تقول : يا بنيّاه. قال قتادة : وذلك من شدة وجدها. والثاني : حين حملت لرضاعه كادت تقول : هو ابني ، قاله السّدّيّ. والثالث : أنّه لمّا كبر وسمعت الناس يقولون : موسى بن فرعون ، كادت تقول : لا بل هو ابني ، قاله ابن السّائب. والقول الثاني : أنها ترجع إلى الوحي ؛ والمعنى : إن كادت لتبدي بالوحي ، حكاه ابن جرير.
قوله تعالى : (لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها) قال الزّجّاج : المعنى : لو لا ربطنا على قلبها ، والرّبط : إلهام الصّبر وتشديد القلب وتقويته. قوله تعالى : (لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي : من المصدّقين بوعد الله. (وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ) قال ابن عباس : قصّي أثره واطلبيه هل تسمعين له ذكرا ، أي : أحيّ هو ، أو قد أكلته الدّوابّ؟ ونسيت الذي وعدها الله فيه. وقال وهب : إنّما قالت لأخته : قصّيه ، لأنّها سمعت أنّ فرعون قد أصاب صبيّا في تابوت. قال مقاتل : واسم أخته : مريم. قال ابن قتيبة : ومعنى «قصّيه» : قصّي أثره واتبعيه (فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ) أي : عن بعد منها عنه وإعراض ، لئلّا يفطنوا ، والمجانبة من هذا. وقرأ أبيّ بن كعب ، وأبو مجلز : «عن جناب» بفتح الجيم والنون وبألف بعدهما. وقرأ ابن مسعود ، وأبو عمران الجوني : «عن جانب» بفتح الجيم وكسر النون وبينهما ألف. وقرأ قتادة ، وأبو العالية ، وعاصم الجحدري : «عن جنب» بفتح الجيم وإسكان النون من غير ألف. قوله تعالى : (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) فيه قولان : أحدهما : وهم لا يشعرون أنّه عدوّ لهم ، قاله مجاهد. والثاني : لا يشعرون أنّها أخته ، قاله السّدّيّ.