والجدّ فيه ، ومثله : اشدد حيازيمك للموت.
قوله تعالى : (فَذانِكَ) قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو : «فذانّك» بالتشديد. وقرأ الباقون : «فذانك» بالتّخفيف. قال الزّجّاج : التشديد تثنية «ذلك» ، والتخفيف تثنية «ذاك» ، فجعل اللام في «ذلك» بدلا من تشديد النون في «ذانّك» ، (بُرْهانانِ) أي : بيانان اثنان. قال المفسّرون : «فذانك» يعني العصا واليد ، حجّتان من الله تعالى لموسى على صدقه ، (إِلى فِرْعَوْنَ) أي : أرسلنا بهاتين الآيتين إلى فرعون. وقد سبق تفسير ما بعد هذا (١) إلى قوله تعالى : (هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً) أي : أحسن بيانا ، لأنّ موسى كان في لسانه أثر الجمرة التي تناولها ، (فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً) قرأ الأكثرون : «ردءا» بسكون الدال وبعدها همزة. وقرأ أبو جعفر : «ردا» بفتح الدال وألف بعدها من غير همز ولا تنوين ؛ وقرأ نافع كذلك إلّا أنه نوّن. قال الزّجّاج : الرّدء : العون ، يقال : ردأته أردؤه ردءا : إذا أعتنته. قوله تعالى : (يُصَدِّقُنِي) قرأ عاصم ، وحمزة : «يصدّقني» بضمّ القاف. وقرأ الباقون بسكون القاف. قال الزّجّاج : من جزم «يصدّقني» فعلى جواب المسألة : أرسله يصدّقني ؛ ومن رفع ، فالمعنى : ردءا مصدّقا لي. وأكثر المفسّرين على أنه أشار بقوله تعالى : (يُصَدِّقُنِي) إلى هارون ؛ وقال مقاتل بن سليمان : لكي يصدّقني فرعون.
قوله تعالى : (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) قال الزّجّاج : المعنى : سنعينك بأخيك ، ولفظ العضد على جهة المثل ، لأنّ اليد قوامها عضدها ، وكلّ معين فهو عضد ، (وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً) أي : حجّة بينة. وقيل للزّيت : السّليط ، لأنه يستضاء به ؛ فالسّلطان : أبين الحجج.
قوله تعالى : (فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما) أي : بقتل ولا أذى. وفي قوله تعالى : (بِآياتِنا) ثلاثة أقوال : أحدها : أنّ المعنى : تمتنعان منهم بآياتنا وحججنا فلا يصلون إليكما. والثاني : أنّه متعلّق بما بعده ، فالمعنى : بآياتنا أنتما ومن اتّبعكما الغالبون ، أي : تغلبون بآياتنا. والثالث : أنّ في الكلام تقديما وتأخيرا ، تقديره : ونجعل لكما سلطانا بآياتنا فلا يصلون إليكما.
(فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُفْتَرىً وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٣٦) وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٣٧))
قوله تعالى : (ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً) أي : ما هذا الذي جئتنا به إلّا سحر افتريته من قبل نفسك ولم تبعث به (وَما سَمِعْنا بِهذا) الذي تدعونا إليه (فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) ، (وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ) وقرأ ابن كثير : «قال موسى» بلا واو ، وكذلك هي في مصاحفهم (بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى) أي : هو أعلم بالمحقّ منّا ، (وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) وقرأ حمزة ، والكسائيّ ، وخلف ، والمفضّل : «يكون» بالياء ، والباقون بالتاء.
(وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ (٣٨) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ
__________________
(١) الشعراء : ١٤.