رجلا برّا بأمّي ، فلمّا أسلمت قالت : يا سعد! ما هذا الدّين الذي قد أحدثت ، لتدعنّ دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعيّر بي فيقال : يا قاتل أمّه ، قلت : لا تفعلي يا أمّاه ، إنّي لا أدع ديني هذا لشيء ، قال : فمكثت يوما وليلة لا تأكل ، فأصبحت قد جهدت ، ثم مكثت يوما آخر وليلة لا تأكل ، فلمّا رأيت ذلك قلت : تعلمين والله يا أمّاه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا لشيء ، فكلي ، وإن شئت لا تأكلي ، فلمّا رأت ذلك أكلت فأنزلت هذه الآية. وقيل : إنّها نزلت في عيّاش بن أبي ربيعة ، وقد جرى له مع أمّه نحو هذا. وذكر بعض المفسّرين أنّ هذه الآية ، التي في لقمان (١) وفي الأحقاف (٢) : نزلن في قصّة سعد.
قال الزّجّاج : من قرأ : «حسنا» فمعناه : ووصّينا الإنسان أن يفعل بوالديه ما يحسن ، ومن قرأ : «إحسانا» فمعناه : ووصينا الإنسان أن يحسن إلى والديه ، وكان «حسنا» أعمّ في البرّ.
(وَإِنْ جاهَداكَ) قال أبو عبيدة : مجاز هذا الكلام مجاز المختصر الذي فيه ضمير ، والمعنى : وقلنا له : وإن جاهداك. قوله تعالى : (لِتُشْرِكَ بِي) معناه : لتشرك بي شريكا لا تعلمه لي وليس لأحد بذلك علم ، (فَلا تُطِعْهُما). قوله تعالى : (لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ) أي : في زمرة الصّالحين في الجنّة. وقال مقاتل : «في» بمعنى «مع».
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ (١٠) وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ (١١))
قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ) اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال :
(١٠٨٦) أحدها : أنّها نزلت في المؤمنين الذين أخرجهم المشركون إلى بدر فارتدّوا ، رواه عكرمة عن ابن عباس.
(١٠٨٧) والثاني : نزلت في قوم كانوا يؤمنون بألسنتهم ، فإذا أصابهم بلاء من الله تعالى أو مصيبة
____________________________________
النهدي أن سعد بن مالك قال : نزلت فيّ هذه الآية (وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) قال : كنت رجلا برا بأمي فلما أسلمت قالت : يا سعد ما هذا الدين الذي قد أحدثت؟ لتدعن دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعيّر بي فيقال : يا قاتل أمه ...» فذكره بتمامه. وأخرجه مسلم ص ١٨٧٧ ح ١٧٤٨ والترمذي ٣١٨٩ وأبو يعلى ٧٨٢ من حديث سعد قال : «وحلفت أم سعد أن لا تكلمه أبدا حتى يكفر بدينه ، ولا تأكل ، ولا تشرب قالت : زعمت أن الله وصاك بوالديك ، وأنا أمك آمرك بهذا قال : مكثت ثلاثا حتى غشي عليها من الجهد ، فقال ابن لها يقال له عمارة : نسقاها فجعلت تدعو على سعد فأنزل الله عزوجل في القرآن هذه الآية (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ ...)» وله تتمة عند مسلم.
(١٠٨٦) أخرجه الطبري ٢٧٧٠٦ بأتم منه ، وإسناده لا بأس به لأجل محمد بن شريك ، وباقي الإسناد ثقات.
(١٠٨٧) أخرجه الطبري ٢٧٧٠٣ عن مجاهد مرسلا ، وعزاه السيوطي في «الدر» ٥ / ٢٧٠ إلى ابن أبي شيبة والفريابي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم.
__________________
(١) لقمان : ١٥.
(٢) الأحقاف : ١٥.