قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا) يعني كفّار مكّة (أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً) يعني مكّة ، وقد شرحنا هذا المعنى في سورة القصص (١) (وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) أي : أنّ العرب يسبي بعضهم بعضا وأهل مكّة آمنون (أَفَبِالْباطِلِ) وفيه ثلاثة أقوال : أحدها : الشّرك ، قاله قتادة. والثاني : الأصنام ، قاله ابن السّائب. والثالث : الشيطان ، قاله مقاتل.
قوله تعالى : (يُؤْمِنُونَ) وقرأ أبو عبد الرّحمن السّلمي ، وعاصم الجحدري : «تؤمنون وبنعمة الله تكفرون» بالتاء فيهما. قوله تعالى : (وَبِنِعْمَةِ اللهِ) يعني : محمّدا والإسلام ، وقيل : بإنعام الله عليهم حين أطعمهم وآمنهم (يَكْفُرُونَ) ، (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) أي : زعم أنّ له شريكا وأنه أمر بالفواحش (أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ) يعني محمّدا والقرآن (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ)؟! وهذا استفهام بمعنى التّقرير ، كقول جرير :
ألستم خير من ركب المطايا (٢)
(وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا) أي : قاتلوا أعداءنا لأجلنا (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) أي : لنوفقنّهم لإصابة الطريق المستقيمة ؛ وقيل : لنزيدنّهم هداية (وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) بالنّصرة والعون. قال ابن عباس : يريد بالمحسنين : الموحّدين ؛ وقال غيره : يريد المجاهدين. وقال ابن المبارك : من اعتاصت عليه مسألة ، فليسأل أهل الثّغور عنها ، لقوله تعالى : (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا).
والله أعلم بالصّواب
__________________
(١) القصص : ٥٧.
(٢) هو صدر بيت لجرير كما في ديوانه : ٩٨. وعجزه : وأندى العالمين بطون راح.