المراد بهذا العمى عمى القلب ، وذلك يتزايد ويحدث منه شيء بعد شيء ، فيخالف الخلق اللّازمة التي لا تزيد ، نحو عمى العين ، والبياض ، والحمرة ، ذكره ابن الأنباري.
(وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (٧٣) وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (٧٤) إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً (٧٥) وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً (٧٦) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً (٧٧))
قوله تعالى : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ) في سبب نزولها أربعة أقوال (١) :
(٩٠٦) أحدها : أنّ وفد ثقيف أتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا : متّعنا باللات سنة ، وحرّم وادينا كما حرّمت مكّة ، فأبى ذلك ، فأقبلوا يكثرون مسألتهم ، وقالوا : إنّا نحبّ أن تعرف العرب فضلنا عليهم ، فإن خشيت أن يقول العرب : أعطيتهم ما لم تعطنا ، فقل : الله أمرني بذلك ؛ فأمسك رسول الله صلىاللهعليهوسلم عنهم ودخلهم الطّمع ، فنزلت هذه الآية ، رواه عطاء عن ابن عباس. وروى عطيّة عن ابن عباس أنهم قالوا : أجلنا سنة ، ثم نسلم ونكسر أصنامنا ، فهمّ أن يؤجلهم ، فنزلت هذه الآية.
(٩٠٧) والثاني : أنّ المشركين قالوا للنبيّ صلىاللهعليهوسلم : لا نكفّ عنك إلّا بأن تلمّ بآلهتنا ، ولو بأطراف أصابعك ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما عليّ لو فعلت والله يعلم إنّي لكاره»؟ فنزلت هذه الآية ، قاله سعيد بن جبير ، وهذا باطل لا يجوز أن يظنّ برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولا ما ذكرنا عن عطيّة من أنه همّ أن ينظرهم سنة ، وكلّ ذلك محال في حقّه وفي حق الصحابة أنهم رووا عنه.
(٩٠٨) والثالث : أنّ قريشا خلوا برسول الله ليلة إلى الصّباح يكلّمونه ويفخّمونه ، ويقولون : أنت سيّدنا وابن سيّدنا ، وما زالوا به حتى كاد يقاربهم في بعض ما يريدون ، ثم عصمه الله من ذلك ، ونزلت هذه الآية ، قاله قتادة.
____________________________________
(٩٠٦) واه بمرة. أخرجه الطبري ٢٢٥٤٠ عن عطية العوفي عن ابن عباس مختصرا بإسناد فيه مجاهيل ، وذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٥٨١ بدون إسناد عن عطاء عن ابن عباس ، فالخبر واه جدا فالسورة مكية ، وتحريم مكة كان في حجة الوداع ، والحديث ليس بشيء لخلوه عن الإسناد.
(٩٠٧) ضعيف جدا. أخرجه الطبري ٢٢٥٣٦ عن سعيد بن جبير مرسلا ، ومع إرساله فيه يعقوب القمي ، وشيخه جعفر بن أبي المغيرة ، وكلاهما غير قوي.
(٩٠٨) باطل. أخرجه الطبري ٣٣٥٣٧ عن قتادة مرسلا ، فهو ضعيف ، والمتن باطل بهذا اللفظ فإن قريشا لم تقل للنبي صلىاللهعليهوسلم أنت سيدنا.
__________________
(١) قال الطبري رحمهالله ٨ / ١١٩ : والصواب من القول أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر عن نبيه صلىاللهعليهوسلم ، أن المشركين كادوا أن يفتنوه عما أوحاه الله إليه ليعمل بغيره ، وذلك هو الافتراء على الله. ولا بيان في الكتاب ولا في خبر يقطع العذر أي ذلك كان ، والاختلاف فيه موجود فلا شيء فيه أصوب من الإيمان بظاهره. حتى يأتي خبر يجب التسليم له ببيان ما عني بذلك منه.