شدائدهم ، ولا يلتفت المشركون حينئذ إلى أوثانهم.
قوله تعالى : (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ) قد شرحناه في آخر العنكبوت (١) ، وقوله تعالى : (فَتَمَتَّعُوا) خطاب لهم بعد الإخبار عنهم. قوله تعالى : (أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ) أي : على هؤلاء المشركين (سُلْطاناً) أي : حجّة وكتابا من السماء (فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ) أي : يأمرهم بالشّرك؟! وهذا استفهام إنكار ، ومعناه : ليس الأمر كذلك.
قوله تعالى : (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ) قال مقاتل : يعني كفّار مكّة (رَحْمَةً) وهي المطر. والسيئة : الجوع والقحط ، وقال ابن قتيبة : الرحمة : النعمة ، والسيّئة : المصيبة. قال المفسّرون : وهذا الفرح المذكور ها هنا ، هو فرح البطر الذي لا شكر فيه. والقنوط : اليأس من فضل الله عزوجل ، وهذا خلاف وصف المؤمن ، فإنه يشكر عند النّعمة ، ويرجو عند الشّدة ؛ وقد شرحناه في بني إسرائيل (٢) ، إلى قوله تعالى : (ذلِكَ) يعني إعطاء الحقّ (خَيْرٌ) أي : أفضل من الإمساك (لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ) أي : يطلبون بأعمالهم ثواب الله.
(وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (٣٩) اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٠))
قوله تعالى : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً) في هذه الآية أربعة أقوال (٣) : أحدها : أنّ الرّبا ها هنا : أن يهدي الرجل للرجل الشيء يقصد أن يثيبه عليه أكثر من ذلك ، هذا قول ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وطاوس والضّحّاك وقتادة والقرظي. قال الضّحّاك : فهذا ليس فيه أجر ولا وزر ، وقال قتادة : ذلك الذي لا يقبله الله عزوجل ولا يجزي به ، وليس فيه وزر. والثاني : أنه الرّبا المحرّم ، قاله الحسن البصري. والثالث : أن الرجل يعطي قرابته المال ليصير به غنيا لا يقصد بذلك ثواب الله تعالى ، قاله إبراهيم النخعي. والرابع : أنه الرجل يعطي من يخدمه لأجل خدمته ، لا لأجل الله تعالى ، قاله الشّعبيّ. قوله تعالى : (لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ) وقرأ نافع ويعقوب : «لتربو» بالتاء وسكون الواو ، أي : في اجتلاب أموال الناس واجتذابها (فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ) أي : لا يزكو ولا يضاعف لأنّكم قصدتم زيادة العوض ولم تقصدوا القربة. (وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ) أي : ما أعطيتم من صدقة لا تطلبون بها المكافأة إنما تريدون بها ما عند الله تعالى : (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) قال ابن قتيبة : الذين يجدون التّضعيف والزّيادة. وقال
__________________
(١) العنكبوت : ٦٧.
(٢) الإسراء : ٢٦.
(٣) قال ابن كثير رحمهالله في «تفسيره» ٣ / ٥٣٦ : من أعطى عطية يريد أن يرد الناس عليه أكثر مما أهدى لهم فهذا لا ثواب له عند الله ، وهذا الصنيع مباح ، وإن كان لا ثواب له فيه ، إلا أنه قد نهى عنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم خاصة قاله الضحاك واستدل بقوله : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) أي : لا تعطي العطاء تريد أكثر منه. وقال ابن عباس : الربا رباءان ، فربا لا يصحّ يعني ربا البيع ، وربا لا بأس به وهو هدية الرجل يريد فضلها وإضعافها ، ثم تلا هذه الآية : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ) وإنما الثواب عند الله في الزكاة ، ولهذا قال : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) أي : الذين يضاعف الله لهم الثواب والجزاء.