السَّاعَةُ) قال الزّجّاج : الساعة في القران على معنى الساعة التي تقوم فيها القيامة ، فلذلك لم تعرف أيّ ساعة هي. قوله تعالى : (يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ) أي : يحلف المشركون (ما لَبِثُوا) في القبور (غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ) قال ابن قتيبة : يقال : أفك الرّجل : إذا عدل به عن الصّدق ، فالمعنى أنهم قد كذّبوه في هذا الوقت كما كذّبوه في الدنيا. وقال غيره : أراد الله تعالى أن يفضحهم يوم القيامة بين المؤمنين ، فحلفوا على شيء تبيّن للمؤمنين كذبهم فيه ، ويستدلّون على كذبهم في الدنيا. ثم ذكر إنكار المؤمنين عليهم بقوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ) وفيهم قولان : أحدهما : أنهم الملائكة. والثاني : المؤمنون. قوله تعالى : (لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ) فيه قولان : أحدهما : أنّ فيه تقديما وتأخيرا ، تقديره : وقال الذين أوتوا العلم بكتاب الله والإيمان بالله عزوجل ، قاله ابن جريج في جماعة من المفسّرين. والثاني : أنه على نظمه. ثم في معناه قولان : أحدهما : لقد لبثتم في علم الله ، عزوجل ، قاله الفرّاء. والثاني : لقد لبثتم في خبر الكتاب ، قاله ابن قتيبة.
قوله تعالى : (فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ) أي : اليوم الذي كنتم تنكرونه (وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) في الدنيا أنه يكون. (فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر : «لا تنفع» بالتاء. وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائيّ : بالياء ، لأنّ التأنيث غير حقيقي. قال ابن عباس : لا يقبل من الذين أشركوا عذر ولا توبة.
(وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ (٥٨) كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (٥٩) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ (٦٠))
قوله تعالى : (وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ) أي : كعصا موسى ويده (لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ) أي : ما أنتم يا محمّد وأصحابك (إِلَّا مُبْطِلُونَ) أي : أصحاب أباطيل ، وهذا بيان لعنادهم. (كَذلِكَ) أي : كما طبع على قلوبهم حتى لا يصدّقون الآيات (يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) توحيد الله عزوجل ؛ فالسبب في امتناع الكفار من التّوحيد ، الطّبع على قلوبهم.
قوله تعالى : (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ) بنصرك وإظهارك على عدوك (حَقٌ). (وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ) وقرأ يعقوب إلّا روحا وزيدا : «يستخفّنك» بسكون النون. قال الزّجّاج : لا يستفزّنّك عن دينك (الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) أي : هم ضلّال شاكّون. وقال غيره : لا يوقنون بالبعث والجزاء. وزعم بعض المفسّرين أنّ هذه الآية منسوخة ؛ والله أعلم.