التّهجّد ها هنا بمعنى : التيقّظ والسّهر ، واللغويون يقولون : هو من حروف الأضداد ؛ يقال للنّائم : هاجد ومتهجد ، وكذلك للسّاهر ، قال النّابغة :
ولو أنّها عرضت لأشمط راهب |
|
عبد الإله صرورة متهجد |
لرنا لبهجتها وحسن حديثها |
|
ولخاله رشدا وإن لم يرشد (١) |
يعني بالمتهجّد : السّاهر ، وقال لبيد :
قال هجدنا فقد طال السّرى (٢)
أي : نومنا. وقال الأزهريّ : المتهجّد : القائم إلى الصلاة من النّوم : وقيل له : متهجّد ، لإلقائه الهجود عن نفسه ، كما يقال : تحرّج وتأثّم.
قوله تعالى : (نافِلَةً لَكَ) النّافلة في اللغة : ما كان زائدا على الأصل.
وفي معنى هذه الزّيادة في حقّه قولان (٣) : أحدهما : أنها زائدة فيما فرض عليه ، فيكون المعنى : فريضة عليك ، وكان قد فرض عليه قيام الليل ، هذا قول ابن عباس ، وسعيد بن جبير. والثاني : أنها زائدة على الفرض ، وليست فرضا ؛ فالمعنى : تطوّعا وفضيلة. قال أبو أمامة ، والحسن ، ومجاهد : إنما النّافلة للنبيّ صلىاللهعليهوسلم خاصّة. قال مجاهد : وذلك أنه قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، فما زاد على فرضه فهو نافلة له وفضيلة ، وهو لغيره كفّارة. وذكر بعض أهل العلم : أنّ صلاة الليل كانت فرضا عليه في الابتداء ، ثم رخّص له في تركها ، فصارت نافلة. وذكر ابن الأنباري في هذا قولين : أحدهما : يقارب ما قاله مجاهد ، فقال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا تنفّل لا يقدّر له أن يكون بذلك ماحيا للذّنوب ، لأنه قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، وغيره إذا تنفّل كان راجيا ، ومقدّرا محو السيئات عنه بالتّنفّل ، فالنّافلة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم زيادة على الحاجة ، وهي لغيره مفتقر إليها ، ومأمول بها دفع المكروه. والثاني : أنّ النّافلة للنبيّ صلىاللهعليهوسلم وأمّته ، والمعنى : ومن الليل فتهجّدوا به نافلة لكم ، فخوطب النبيّ صلىاللهعليهوسلم بخطاب أمّته.
قوله تعالى : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) «عسى» من الله واجبة ، ومعنى «يبعثك» يقيمك (مَقاماً مَحْمُوداً) وهو الذي يحمده لأجله جميع أهل الموقف. وفيه قولان :
أحدهما : أنه الشّفاعة للناس يوم القيامة ، قاله ابن مسعود ، وحذيفة بن اليمان ، وابن عمر ، وسلمان الفارسيّ ، وجابر بن عبد الله ، والحسن ، وهي رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد.
والثاني : يجلسه على العرش يوم القيامة. روى أبو وائل عن عبد الله أنه قرأ هذه الآية ، وقال :
__________________
(١) في «اللسان» : الشمط في الشعر : اختلافه بلونين من سواد وبياض. والصّرورة : الذي لم يأت النساء كأنه أصرّ على تركهن.
(٢) هو صدر بيت وعجزه : «وقدرنا إن خنا الدهر غفل».
(٣) قال الطبري رحمهالله ٨ / ١٣٠ : وأولى القولين بالصواب في ذلك ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان الله تعالى قد خصّه بما فرض عليه من قيام الليل ، دون سائر أمته وهو قول ابن عباس. وأما ما ذكر عن مجاهد في ذلك ، فقول لا معنى له ، وذلك لأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما ذكر عنه أكثر ما كان استغفارا لذنوبه بعد نزول قول الله عزوجل عليه (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ).