معدول عن وجهه ووزنه فهو مصروف عن إعرابه كقوله : (وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) (١) فأسقط الهاء لأنها مصروفة ، عن «باغية» ؛ فقاس هذا الكافر قدرة الله تعالى بقدرة الخلق ، فأنكر إحياء العظم البالي لأنّ ذلك ليس في مقدور الخلق. (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها) أي : ابتدأ خلقها (أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ) من الابتداء والإعادة (عَلِيمٌ). (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً) قال ابن قتيبة : أراد الزّنود التي توري بها الأعراب من شجر المرخ والعفار. فإن قيل : لم قال : «الشّجر الأخضر». ولم يقل : الشجر الخضر. فالجواب : أنّ الشّجر جمع ، وهو يؤنّث ويذكّر ، قال الله تعالى : (فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ) (٢) ، وقال : (فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ). ثم ذكر ما هو أعظم من خلق الإنسان ، فقال : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ) وقرأ أبو بكر الصّدّيق ، وعاصم الجحدري : «يقدر» بياء من غير ألف (عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) وهذا استفهام تقرير ؛ والمعنى : من قدر على ذلك العظيم ، قدر على هذا اليسير. وقد فسّرنا معنى «أن يخلق مثلهم» في بني إسرائيل (٣) ؛ ثم أجاب عن هذا الاستفهام فقال : (بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ) يخلق خلقا بعد خلق. وقرأ أبيّ بن كعب ، والحسن ، وعاصم الجحدري : «وهو الخالق» (الْعَلِيمُ) بجميع المعلومات. والملكوت والملك واحد. وباقي السّورة قد تقدّم شرحه (٤). والله أعلم بالصّواب.
__________________
(١) مريم : ٢٨.
(٢) الواقعة : ٥٣.
(٣) الإسراء : ٩٩.
(٤) البقرة : ٣٢ ـ ١١٧ ، الأنعام : ٧٥.