لأستارهم لم يكن مثل ذلك من الغيبة المحرمة القبيحة أصلا ، مضافا الى ان شريعة تحريم الغيبة من العقل والشرع إنما هي شريعة إصلاحية اجتماعية تمد الستر فيما بين البشر وتمنع ما يضر بالاجتماع البشري ، فلا يجري حكمها مع الملائكة خصوصا إذا ذكروا شيئا من فسق الفساق تنفّرا منه واستقباحا له ، فهل يقول عاقل أو متشرّع بأنك اغتبت وفعلت حراما إذا شكوت الى الله ظالمك وذكرت له ظلمه ، وإذا ذكرت لله فسق الفاسق ليغفر له أو ليهديه أو لينتقم منه.
وليت شعري اذا كان المتكلف يجعل قول الملائكة من الغيبة المحرّمة ، فما ذا يصنع بكتابه العهد الجديد ، فإنك تقدر أن تؤلف منه من الكلام المنسوب للمسيح والتلاميذ كتابا بقدر الإنجيل أو أكثر كله في غيبة الكتبة والفريسيين وبني اسرائيل والمسيح والتلاميذ ومريم المجدلية وجماعة من المؤمنين بالمسيح.
وقال المتكلف في كلامهم «اي الملائكة» : العجب وتزكية النفس بذكر مناقبها.
قلنا : لم يكن الغرض من بيان تسبيحهم وتقديسهم هو الافتخار به ، ولكن ضرورة السؤال عن وجه الحكمة في خلق البشر اقتضت ذكره ، وليس هذا من العجب وتزكية النفس خصوصا حال كونهم أزكياء معصومين لا يعصون الله ولا يفرطون في وظائفهم من العبادة ، ولئن كان هذا من العجب وتزكية النفس الممقوتة ، فما ذا يقال في القول المنسوب للمسيح بعد الذم للرعاة أنا باب الخراف أنا الراعي الصالح ، اما أنا فاني الراعي الصالح «يو ١٠ ، ٧ ـ ١٥» مع انه أنكر على من سماه صالحا وقال له : لما ذا تدعونني صالحا ليس أحد صالحا إلا واحد هو الله «انظر مت ٩ ومر ١٠ ولو ١٨» ، وما ذا يقال في القول المنسوب لداود يكافئني الرب حسب بري حسب طهارة يدي يرد علي لأني حفظت طرق الرب ولم أعص إلهي لأن جميع أحكامه امامي وفرائضه لا احيد عنها «٢ صم ٢٢ ، ٢١ ـ ٢٤».
والأقوال المنسوبة الى بولس في الافتخار بالأعمال والمراتب العالية وان