قلت : ان من منحه الله شيئا من الفهم والشعور ليعلم من العادة وفلسفة الحقائق ان النبي الذي يقيم في دعوة الحق والوعظ والنصيحة مئات من السين بين قوم كفرة متجبرين ، ويجزم يقينا ان شأن هذا النبي لا ينقضي مع قومه بالصمت والسكوت بل لا بد فيه من المكالمات الكثيرة ، والرد والبدل ، والدعوة والجحود ، والوعظ والهزء ، والنصيحة والسخرية. والاحتجاج والجدال ، والبرهان والمكابرة ، والحجة والعناد ، وليس هذا المقام مما قال فيه الشاعر :
حواجبنا تقضي الحوائج بيننا |
|
فنحن سكوت والهوى يتكلم |
أفلا ترى ان مدير القرية إذا أراد أن يبدل فيها قانونا واحدا عموميا ، أو يؤسس هذا القانون الواحد كم يحدث فيها من الانقلاب والمجادلات والمكالمات ، فما ظنك بدعوة النبي الى التوحيد والصلاح ، وما ذا ينبغي أن يصدر من العتاة في رد الدعوة الدائمة والنصح المستمر من النبي الأمين في الدعوة ، المجاهد في سبيل الله ، وما يبدر منهم ليحافظوا على وثنيتهم وعوائد ضلالهم ، فأعرني رشدك لحظة وانظر في التوراة الرائجة التي سلكت في قصصها مسلك التاريخ الساذج ، فهل تراها ذكرت في شأن نوح وقومه ما يليق بحوادث يوم واحد في الدعوة والوعظ وجوابهما ، وهل ذكرت في هذا الشأن إلا ان أبناء الله رأوا بنات الناس حسنات فاتخذوا لأنفسهم نساء ، فقال الرب : لا يدين روحي في الانسان الى الأبد تكون أيامه مائة وعشرين سنة.
كان في الأرض طغاة في تلك الأيام وبنات الناس ولدن الجبابرة ، ورأى الرب ان شر الانسان قد كثر ، فحزن الرب ان عمل الانسان في الأرض وتأسف في قلبه فقال : امحو عن وجه الارض الانسان الذي خلقته مع البهائم والدبابات وطيور السماء لأني حزنت اني عملتهم ، وأما نوح فوجد نعمة في عيني الرب وفسدت الارض وامتلأت ظلما ، فقال الله لنوح اصنع فلكا الى آخره ، هذا ما في التوراة في شأن نوح وقومه مع حذف التكرار والفضول فانظر «تك ٦ ، ١ ـ ١٤».
ومع هذا فهل يحسن من أقل العقلاء أن يقول : ان هذه هي تمام