موضع ثالث : انه لما مات أبوه أتى ودفنه في مغارة المكفلية بقرية أربع من كنعان ، وبينها وبين مكة مسافة لا يقطعها الراكب المجد في أقل من عشرة أيام.
قلت : إذا كانت توراته قد عينت موضع سكنى اسماعيل فيما أشار إليه حيث ذكرت انه بريّة فاران ، وهو يقول : انها ببرية سينا بين مصر وبلاد ثمود.
إذا فما وجه قوله : ان في فلسطين موضعا يسمى عربه ، ومن المعلوم ان برية سينا أجنبية عن فلسطين ، وهل تشبّثه باسم هذه العربة إلا غلط في غلط.
وأما قوله : «لا نعلم بوجود اسماعيل إلا من التوراة» فهو من أفحش الأغلاط ، فلو ان حلقيا لم يأت شافان بكتاب وحيد سماه التوراة لما انحط اسماعيل عن شهرته أقل قليل ، كيف وها بنوه الذين يفخرون به في أجيالهم قد ملئوا جزيرة العرب وأذعن لهم بذلك صاحبهم وخصمهم في المفاخرات ولم يك اسماعيل كملكي صاروق بلا أب بلا أم بلا نسب لا بداية أيام له ولا نهاية حياة حتى لا يعرف إلا من إلهام رسالة العبرانيين ٧ ، ٣.
وأما قوله : ان التوراة تصرح بأن اسماعيل سكن في برية فاران فهو مردود بأن اختلاف التوراة في التاريخ واغلاطها فيه ، وعلى الخصوص فيما يتعلق بابراهيم ودعوته وبنية لا يدع لها اعتبارا تساوي فيه واحدا من كتب التاريخ ، ولو سلمنا ذلك فقد ذكر اللغويون ان فاران من جبال مكة ، وأما قوله : ان فاران هي ببرية سينا بين مصر وبلاد ثمود فهو خبط بلا حجة ، فان أصحابه قد اضطربوا في ذلك فجعلوا فاران تارة اسما لجبل فيران وهو الرأس الواقع بين خليجي العقبة والسويس جنوبي سينا وكاترينا ، بل هو آخر الجبال الواقعة في الزاوية بين الخليجين.
وجعلوه تارة اخرى اسما لجبل «فوريا» وهو الجبل المقوس الذي يقارب وسط محدّبه للدرجة التاسعة والعشرين من العرض الشمالي والرابعة والثلاثين من شرقي لندن فجعلوا برية فاران ما كان في شمال هذا الجبل ، وسموا به