فقد قال امرؤ القيس :
اليوم خمر |
|
وغدا أمر. |
وقال النابغة الجعدي :
كأن عذيرهم (١) بجنوب سلى |
|
نعام قاف في بلد قفار |
وقال الحطيئة :
وشر المنايا ميت وسط اهله |
|
كهلك الفتى قد أسلم الحي حاضره |
وقالت الخنساء :
ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت |
|
فإنما هي اقبال وإدبار |
وقال متمم بن نويرة :
لعمري وما دهري بتأبين (٢) هالك |
|
ولا جزع مما اصاب فأوجعا |
وان من اعطى حظا من فهم محاورات العرب ليجد ان إظهار ما يقدره النحويون في مثل هذه المواضع مما يهدم على الشاعر غرضه ويمحو نكتته ، فمن هذا النحو ما يخرج الكلام به من صورة الفرض الذي لا يهم في الغرض إلى صورة الوقوع المقصود ، فيخرج الكلام بحسن بيانه من نحو الدعوى إلى ناحية العيان ، ومن المصادرة الى صورة البرهان ، وعلى ذلك جاء قول الحارث بن حلزة اليشكري :
والعيش خير في ظلا |
|
ل النوك ممن عاش كدا |
ألا ترى انه لو أظهر ما يقدره أهل الصناعة وقال : خير من عيش من عاش كدا. لم يتحمل كلامه إلا بيان التفاضل بين العيشين ، وهذا من الواضحات التي لا يهمه بيانها ولا يتعلق بها غرضه ، وإنما غرضه بيان ابتلائه بالعيش الصعب المتعب على نحو يفضل فيه على عيشه عيش الحمق المقرون غالبا من تعس الوقت بالرفاهية والسعة.
__________________
(١) العذير : الصوت ، وسلى اسم موضع.
(٢) التأبين : مدح الميت.