متقدمان على موت اسماعيل ، بل مقتضى ذكرهم ان «قيل» ابن عثر و «مرثد» ابن سعد توجها الى البيت الحرام في مكة ليطلبوا من الله الفرج ، هو ان هلاك شداد وعاد كان بعد ما بنى ابراهيم واسماعيل البيت بمدة ، فإن من مسلمات معلوماتهم هو ان البيت الحرام إنما بناه اسماعيل وأبوه ابراهيم فيكون هلاك عاد في المدة التي بين بناء البيت في أيام اسماعيل وبين دعوة موسى لفرعون ، ولا مانع من أن يكون هلاك شداد وقومه بعد موت اسماعيل ، ولئن قال المؤرخون : ان شداد متقدم على اسماعيل في الولادة فلا مانع منه ، بل ان طبقات المواليد تقتضيه.
وأما «ثانيا» فإن الاعتراض على تقويم المؤرخين بتقويم التوراة الرائجة إنما هو من ورطات الغرور ، فإن المؤرخين أتقن من أن يعتمدوا على كتاب تلاعبت به الأيام ما شاءت ، وهتكت الحواشي من ستر أغلاطه ما هتكت ، وسجل عليه بالافتضاح تنازع نسخه المتعادلة في الاعتبار الادعائي وعدمه الحقيقي ، ويا حبّذا لو سلم من ذلك من زمان حلقيا فما بعد ، فكيف إذا لا يقبح الاعتراض به ، سيما إذا كان الاعتراض بنسخة من نسخه.
وأما «ثالثا» فإن المتعرب لم يكتف بسخافة كتبه حتى صار يتقوّل عليها ولا يفهم ما فيها ولا يدري به ، فلم يشعر ان تقويم التوراة العبرانية وتاريخ العهد الجديد يقتضيان ان يكون بين الطوفان وبين موت اسماعيل خمسمائة وخمس وسبعون سنة لا خمسمائة وعشر سنين ، وذلك لأن من الطوفان الى مولد تارح أبي ابراهيم بحسب النسخة العبرانية مائتان واثنتان وعشرون سنة ، وعاش تارح مائتين وخمس سنين ، ومات في حاران «تك ١١ ، ١٠ ـ ٣٢» ، وباعتبار ان ابراهيم خرج من حاران وهو ابن خمس وسبعين سنة «تك ١٢ ، ٤» وانه خرج بعد ما مات أبوه «١٠ ع ٧ ، ٤» فلا تكون ولادة ابراهيم قبل أن يمضي من عمر أبيه تارح مائة وثلاثون سنة ، فيكون من الطوفان إلى مولد ابراهيم على الأقل ثلاثمائة واثنتان وخمسون سنة ، فإذا اضيف إليها من مولد ابراهيم الى مولد اسماعيل ست وثمانون سنة ، وعمر اسماعيل وهو مائة وسبع وثلاثون سنة «تك ١٦ ، ٦ و ٢٥ ، ١٧» كان المجموع خمسمائة وخمسا وسبعين سنة ، هذا مع ان