سبيلهم ودخولهم الى فرعون ، ودعوته وعمل الآيات جعلت هذا كله كأنه حادثة يوم وليلة بين عشرة أشخاص في بيت واحد ، ولكن المتدبر في عادات الامور يجزم بأنه لا بد لموسى وهارون من أن يقيما مدة مديدة بين بني اسرائيل يدعوانهم فيها الى حقيقة الإيمان بالله وحق عبادته والانقطاع إليه ويمرنانهم على الصلاة له والطاعة لرسله والانقياد إليهما والائتمار بأمرهما ، ويملآ آذانهم وقلوبهم بالبشارة بخلاصهم من عبودية فرعون والتنعم بأرض الموعد ويثبتانهم على الاطمئنان بذلك ويروّضانهم على الانقياد والمتابعة في الخروج معهما ، فإذا اطمأنا منهم بالانقياد أعلنا دعوتهما لفرعون ، ولو كان ذلك من أهل قرية لا يبلغون الألف وهم ثابتون في طباعهم لاحتاج الى تربص كثير ورياضة في السياسة.
فكيف ببني اسرائيل المتلونين المتقلبين وهم مئات من الالوف وقد عرفت حالهم من المقدمة الخامسة.
وان ذات التوراة الرائجة قد ذكرت عنهم انهم قالوا لموسى وهارون في مصر ينظر الرب إليكما ويقضي لأنكما قد أنتنتما رائحتنا في عيني فرعون وعيون عبيده حتى تعطيا سيفا في أيديهم ليقتلونا «خر ٥ ، ٢١» ، وانهم لم يسمعوا لموسى بشارته بوعد الله لهم بالخلاص وتوريثهم ارض الموعد «خر ٦ ، ١ ـ ٩» ، وقالوا : كف عنا فنخدم المصريين لأنه خير لنا أن نخدم المصريين من أن نموت في البرية «خر ١٤ ، ١٢».
وان حكمة التعليم التمرين وتجديد التأسيس وإجراء الأحكام الالهية في مثل رسالة موسى لتقتضي أن يكون الله جل شأنه قد أمر موسى وهارون أن يتبوءا في مصر بيوتا يجعلونها مختلفا لبني اسرائيل ومقصدا لهم يقبلون إليه ليروضهم التمرين على الانقياد فيما يراد منهم.
ولعل هذا هو المراد من قوله تعالى : (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) ، أي بيوت موسى وهارون ومن يعضدهم من المؤمنين في نشر الدعوة والنهضة الى التعليم ، أو ان المراد واجعلوا بيوت بني اسرائيل قبلة يقبلون فيها على عبادة الله وطاعته ، ويقيمون الصلاة ، ولو ان بعض المؤرخين ذكر ذلك لحكم بصدقه الاعتبار بالعادة في بيان هذه الحقيقة اللازمة ، وان التوراة الرائجة قد قصّر بيانها عن