والمتعرب سمع من بعض المفسرين انهم يقدرون في الآية ، مثل واعظ الذين كفروا ، ويجعلون سوق الآية لتشبيه وعظ الواعظين بالنعيق ، والذين كفروا بالأنعام التي ينعق بها ، فقال المتعرب «ذ ص ٩٣» هذا التمثيل لا معنى له ، وكان الوجه ان يقول ، ومثل الذي يعظ الكفار او يدعوهم كمثل الذي ينعق بما لا يسمع.
ولا ألوم المتعرب إذ لم يعقل المراد من الآية ، ولم يدر ما يلزم في تقديره من الفساد ، أفلا يتدبر انه حاشا لله وبلاغة القرآن ان يصف وعظ الواعظ الهادي وإرشاده الشافي بالنعيق المهمل. ويعيب إرشاده بعيب غيره بل حاشا كل من يعرف مواقع الكلام من ذلك ، هب ذلك ولكن المثل الشريف حينئذ يخطئ مرماه ويلغو معناه. فإن الناعق بالأنعام طالما ينجح بنعيقه بها ويندر ان لا تجبيه باقبالها وانزجارها وان كان نعيقه مهملا ، وأين ذلك من خيبة واعظ الكفار الذين حرنوا على اتباع ما الفوا عليه آباءهم.
وأما اعتراض المتعرب على قوله تعالى في سورة البقرة ٢٧٦ (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا).
حيث قال «ذ ص ٩٣» ، وكان الوجه ان يقول : إنما الربا مثل البيع.
فيكفي في رده ان القرآن كلام الله الصادق قد حكى ما قاله آكلو الربا على وجهه ، لا كالأناجيل التي تنقلب في نقلها الواقعة الواحدة حسبما تقتضيه الغفلة وغيرها. كما ذكرنا بعضه في الجزء الاول في «صحيفة ٢٥٢ ـ ٢٥٧» ، ولا كالعهدين الذي يختلف منهما الحاكي والمحكي اختلافا فاحشا ، كما سنذكر بعضه إن شاء الله في المستقبل القريب.
ولا علينا ان نقول : ان اعتراضهم انما هو النقض على الشريعة بحل البيع لتوهمهم ان العلة في تحريم الربا موجودة فيه فهو مثل الربا ، فلما ذا أحل مع تحريم الربا ، وهذا النحو من الاعتراض يستلزم هذا التعبير.
وأما اعتراض المتعرب على عربية القرآن باستعماله بعض الالفاظ التي يدعي انها عجمية في الأصل : كالسندس ، والاستبرق ، والاباريق ، والنمارق