مخافة أن يسمعوا كلامه فيؤمنوا به. وكانوا يسمّون (١) من سمع كلامه وآمن به صابيا وقالوا : «صبا فلان وفلان». ومعنى التّصابى فى كلام العرب هو العشق والمحبّة. فلمّا رأوا من يسمع كلامه يحبّه (٢) ويؤثّر فى قلبه ويختلط بنفسه ، قالوا له «قد صبأ» وكانوا يصدّون كلّ من ورد مكة من أهل الوبر والمدر عنه وينهونه عن الاستماع منه. وذلك أن العرب كانت تأتى مكة حجّاجا وفى التّجارات وكانت مواسمهم (٣) بمكة قائمة ، وكان رسول الله (ص) يعرض عليهم الاسلام ويتلو عليهم القرآن فيؤمنون وتخبت له قلوبهم وينقادون له ويرجعون إلى قبائلهم فيدعونهم (٤) الى الاسلام (٥) ؛ كما روى أنّ الطفيل (٦) بن عمر والدّوسى (٧) ورد بمكّة (٨) وكان لبيبا شاعرا ورئيسا فى قومه ، فاجتمعت إليه (٩) قريش ونهوه أن يقرب رسول الله (ص) وقالوا له : كلامه سحر يفرّق بين المرء وزوجته وأحبّته وعشيرته وإنّا (١٠) نخشاه عليك وعلى قومك ؛ فلا تكلّمه ولا تسمع من قوله ، فانّه يسحرك بكلامه. فعمد إلى كرسف وحشا به أذنيه فرقا من أن يسمع (١١) قوله ، وغدا الى المسجد وطاف بالبيت ، واذا رسول الله (ص) يصلى عند الكعبة وهو يتلو هذه الآية : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) فوقر ذلك فى أذنيه (١٢). فلمّا سمعها ، أخرج الكرسف من أذنيه ورمى به وقال : واثكل أمّى ، إنّى لبيب شاعر أعرف الحسن من القبيح ، ما لى أتّهم عقلى ولا أتّهم عقول قريش؟! ثم أقبل إلى النّبي (ص) فقال : أعد عليّ كلامك يا محمّد! فأعاده عليه وزاده.
__________________
(١) ـ يسمون : يسمعون A (٢) ـ يحبه : يحبسه B (٣) ـ مواسمهم : يواسمهم A (٤) ـ فيدعونهم : فيدعوهم ABC (٥) الاسلام : + ويتلو عليهم القرآن B (٦) ـ الطفيل : طفيل ABC (٧) الدوسى : الدوحى A (٨) بمكة : مكةA (٩) إليه : له C (١٠) ـ انا : + واناA (١١) ـ يسمع : يستمع A (١٢) ـ اذنيه : اذنه BC