وقد أحال الملحد حين زعم أنّ ذلك باستخراج وإلهام ونظر وتجارب بالذّوق والأراييح وغير ذلك ممّا ذكره وزعم أنّهم ألهموا هذه فى طبعهم من غير تعليم ، وأنّ الله (١) أغناهم عن ائمّتنا كما ألهم الاوزّ السّباحة بالطّبع وأغناها (٢) عن ائمتنا. وأقول ، سبحان الله تعجّبا من الملحد! كيف اهتدى لهذه الحجّة التى تشبه (٣) عمى قلبه وقلة عقله حين ادّعى أنّ الحكماء ألهموا استخراج هذه الطّائف من غير تأييد من الله عزوجل (٤) ومن غير تعليم من الأئمّة ، بل بطبعهم كما يسبح الاوزّ بطبعه وأنّهم لم يحوجوا إلى ائمّتنا كما لم يحوج الاوز إلى ائمّتنا. أو لم (٥) يعلم الجاهل أنّ الأمر لو كان أيضا كما ادّعاه ، أنّهم استخرجوا هذه الأشياء بالطّبع ، لما وجب أن يشبّه هذا الالهام والطّبع بالهام الاوزّ وطبعه ؛ لانّ الإوزّ مطبوع على السّباحة لا يحتاج فى ذلك إلى فكر (٦) ولا استنباط ، كما قد (٧) طبع جميع الحيوان على شيء ما. فطبع الطّير على الطّيران فى الهواء ، ودواب الماء على السباحة فى الماء ، وكلّ جنس لا (٨) يقدر أن يخالف ما قد طبع عليه : لأنّه مجبر على ذلك لا مختار. فمنه ما يطير ويسبح كالاوزّ ، ومنه ما يسبح ولا يطير ، كالسّمك ومنه ما يطير ولا يسبح ، كالحمام.
والاوزّ مطبوع على السّباحة والطّيران (٩) ، صغارها وكبارها مطبوعة على ذلك ، كما ترى فراخها إذا انفلق عنها البيض سبحت ؛ وليس فى كلّ الاوزّ واحدة تخالف هذا الطبع. وكذلك سائر الحيوان ليس جنس إلّا وكله لا يخالف ما طبع عليه لأنّها مطبوعة على ذلك. وليس حكم البشر فى استخراج العلوم واستنباطها هكذا ؛ لأنّه ليس فى ألف إنسان وما فوق ذلك من العدد
__________________
(١) ـ الله : + تعالى B (٢) ـ اغناها : اغناA (٣) ـ تشبه : مشبه A (٤) ـ عزوجل : ـ A (٥) ـ أولم : ولم B (٦) ـ فكر : فكروه A (٧) قد : ـ BC (٨) ـ لا : ـ A (٩) ـ الطيران : + وBC ـ