إلّا واحد يقدر على استخراج هذه اللّطائف ، اذا صحّت أيضا دعوى الملحد من جهة الطّبع والالهام. وأصحاب المعرفة بالحساب والهندسة والنّجوم والطب عددهم قليل جدا ما بين هذا الخلق الكثير. ولو كان مثالهم فى استخراج هذه اللطائف بالطبع ، كما يسبح الاوزّ بالطّبع ، لوجب أن يكون النّاس كلّهم حسّابا مهندسين ومنجّمين وأطباء ؛ ووجب أن لا يكون أصحاب الهندسة والأطباء (١) والمنجّمون مخصوصين بذلك دون سائر النّاس ، لأنّ الاوز كلّه يسبح صغاره وكباره ؛ ولوجب أن يرتفع عنهم باب التّعليم ، كما قد ارتفع عن الاوزّ باب التّعليم فى السبّاحة ، فكانوا لا يحتاجون إلى ائمّتنا ، كما لا يحوج الاوزّ (٢) إلى ائمّتنا.
(٥) فان زعم زاعم أنّ كلّ النّاس لو صرفوا هممهم الى ذلك ، لكانوا مهندسين حسّابا (٣) ومنجمين وأطباء ، كما احتجّ به الملحد حين زعم أنّ الناس لو صرفوا هممهم إلى تعلّم الفلسفة والنظر فيها ، لبلغوا ما بلغ الفلاسفة ، قلنا له (٤) : فهل رأيت فيلسوفا (٥) نظر فى الفلسفة بطبعه قبل أن عرف أصول الفلسفة ونظر فى قوانين الفلاسفة وقبل (٦) أن ابتدأ بالتّعلّم (٧) من (٨) تلك الأصول ، ثم نظر وقاس (٩) بعد التعلم؟ فان قال : نعم ، فقد باهت وكابر. وإن قال : لا ، فهذا اوّله التعلّم ، ثم بعد ذلك نظر وقياس. وإنّ الاوزّ لا يحتاج إلى تعلّم فى ابتداء أمره ، لا إلى (١٠) مسبح (١١) ولا الى معلم على وجه السّباحة ، بل كلّها تسبح طبعا صغارها وكبارها ، كما ذكرنا. والانسان لا بدّ له من التعلم فى أول أمره ، وإن
__________________
(١) ـ واطباء : اطباءA (٢) ـ باب التعليم ... الإوز : ـ C (٣) ـ مهندسين حسابا : حسابا مهندسين AC ـ (٤) ـ قلنا له : له قلناA ، ـ C (٥) فيلسوفا : فيلسوف C (٦) ـ وقبل : قبل A (٧) بالتعلم : بالتعليم AB (٨) من : عن B (٩) ـ قياس : قاس C (١٠) ـ لا الى : الى ABC (١١) مسبح : سبح B