ترك التعلم فى أول أمره ، لم يدرك بطبعه شيئا ؛ وليس ذلك فى وسعه ، ولا هو مطبوع عليه ؛ ولا مجبر فيه ، ولا بدّ له من الرّجوع إلى إمام يعلّمه ، وإلّا لم ينفعه طبعه ولم يغنه (١) شيئا كما استغنى الاوزّ (٢) عن التعلّم من أئمّتنا والرجوع إليهم. وإنّما يفعل الانسان بطبعه الأشياء التى لا يقدر على مخالفة طبعه فيها ، مثل فعله بالحواس كالنّظر والسّمع والشم والذوق واللّمس ، فانّه مجبر على ذلك ، إذا نظر إلى الشيء رأى ، واذا وقع الصّوت فى أذنه سمع ، واذا وقعت فى خياشيمه ريح ، شمّها ؛ هذا إذا سلمت حواسّه. ثم هو مطبوع على المشى برجليه والتّناول بيديه. فالنّاس كلّهم قد طبعوا على هذا كما طبع الاوزّ على السّباحة ، واستووا فيه كما أنّ (٣) الاوزّ قد استوى (٤) فى السّباحة. فهذا الطّبع من النّاس هو الّذي يشاكل طبع الاوز فى السباحة. وكلّ جنس الحيوان هو مطبوع على فعله ، لا يخالف ما طبع عليه ؛ والانسان هو مطبوع ومخيّر ، قد شارك الحيوان فيما طبع عليه ، وخصّ بما هو مخيّر فيه ، مثل تعلّم العلوم التى النّاس فيها خاصّ وعامّ ، ومنهم من ليس فى وسعه أن يتعلم حرفا واحدا. ولا بدّ أن يكون فيهم إمام ومأموم وعالم وجاهل. وهذا باب لا يخفى على عوامّ النّاس ، فكيف على أهل المعرفة والتّمييز؟! فهل رأيت أعمى قلبا وأقلّ عقلا ممن يشبّه (٥) سباحة (٦) الاوز بطبعه باستخراج علم الفلسفة ومعرفة حركات الفلك وطبائع العقاقير وسائر العلوم اللّطيفة من الهندسة وغير ذلك؟ وهل رأيت أجهل ممّن (٧) زعم أنّ النّاس استخرجوا هذه اللّطائف واستغنوا من أئمّتنا ، كما استغنى
__________________
(١) ـ لم يغنه : لا يغنه C (٢) استغنى الاوز : استغن الاول A (٣) ـ أن : + كل A (٤) استوى : استوواABC (٥) ـ يشبه : تشبه C (٦) سباحة : بسباحةC (٧) ـ ممن : من B