بالعقل الكامل والهمّة البعيدة (١) والطّبع (٢) التّام ، ما لا يقدر على بلوغه من هو ناقص العقل متخلّف فى الهمّة (٣) ، ولا يتعلّمه وان علّم ، ولا يتوجّه له وإن هدى إليه (٤) ، لبلادته ونقصان طباعه ؛ وهذا موجود فى جبلّة النّاس ، أنّ البليد الجافى لا يبلغ معرفة ما يبلغه الفطن ولا يطيقه وإن تكلّفه واجتهد فيه. فاذا وجب هذا وثبت أن تختلف (٥) أحوال النّاس فى العقل والكيس والفطنة ، فقد وجب أن يحوج بعضهم إلى بعض (٦) ، وأن يتعلّم بعضهم من بعض ، فيكون فيهم عالم ومتعلّم ، وإمام ومأموم ، فى جميع الأسباب فى الدّين وفى الأمور الدنياويّة ، كما نشاهده عيانا ؛ وقد انتقض قولك انه : لا يجوز فى حكمة الحكيم ورحمة الرّحيم أن يجعل النّاس بعضهم أئمّة لبعض ، وانه يجب أن يلهم عباده أجمعين (٧) معرفة منافعهم ومضارّهم فى عاجلهم وآجلهم ، وأن لا يحوج بعضهم إلى بعض ؛ وزعمت أنّ ذلك أحوط لهم ، وأولى بحكمته. فانّ (٨) هذا غير موجود فى جبلّة النّاس.
ونرى الحكيم الرّحيم قد فعل بعباده خلاف ما تدّعيه أنّه أحوط لهم وأولى (٩) بحكمته ، إلّا ما نجد فى طبائعهم من تساويهم فى أشياء طبعوا عليها ، كما طبع عليها سائر أصناف الحيوان من البهائم والسّباع والطّير ودوابّ الماء (١٠) وجميع الأجناس ، من طلب الغذاء والتّناسل ، وألهمت معرفة مالها من المنافع والمضارّ فى ذلك ؛ فكلّ جنس من الحيوان لا تفاضل فيه (١١) ولا درجات بينه (١٢) ، بل استوت فى ذلك ، وهى مطبوعة عليه ، فلا درجات بينها (١٣) ولا مراتب ، لأنّها ليست بمأمورة ولا منهيّة (١٤) (ولا مستعبدة) ولا مكلّفة ولا مثابة ولا معاقبة ؛ ومن (١٥) أجل (١٦) ذلك لا درجات بينها.
وخصّ البشر بأن يكون فيهم عالم ومتعلّم ، وإمام ومأموم ، وفاضل
__________________
(١) ـ الهمة البعيدة : الهم البعيدA (٢) ، والطبع : والطباع BC (٣) ـ فى الهمة : فى الهم A (٤) ـ إليه ـ C (٥) ـ تختلف : يختلف AB (٦) ـ بعضهم الى بعض : بعضهم الى بعضهم B (٧) ـ اجمعين : ـ B (٨) ـ فان : وان B (٩) ـ واولى : وانه اولى B (١٠) ـ دواب الماء : ذوات النماءC (١١) ـ فيه : فيهاABC (١٢) بينه : بينهاABC (١٣) بل استوت ... بينها : ـ B (١٤) ـ منهية : مضريةA (١٥) ومن : فمن ABC (١٦) اجل : ـ B