يفهم من أمر معاشه وتجارته وتصرّفه فى هذه الأمور ويهتدى بحيله (١) الى أشياء تدقّ عن (٢) فهم كثير منّا ، وذلك لأنه صرف همّته إلى ذلك ؛ ولو صرف همّته إلى ما صرفت همّتى أنا إليه وطلب ما طلبت لأدرك (٣) ما أدركت.»
قلت : فهل (٤) يستوى النّاس فى العقل والهمّة والفطنة ، أم لا؟
قال : لو اجتهدوا واشتغلوا بما يعينهم (٥) لاستووا فى الهمم والعقول.
قلت : كيف تجيز هذا وتدفع العيان؟! وإنّا نرى ونعاين أنّ النّاس على طبقات وتفاوت مراتب ، ولست (٦) تقدر على دفع ما اتّفق النّاس عليه ، أن يقولوا : فلان أعقل من فلان ، وفلان عاقل وفلان أحمق ، وفلان أكيس من فلان (٧) ، وفلان كيّس وفلان بليد ، وفلان لطيف الطّبع وفلان غليظ الطّبع ، وفلان فطن وفلان غبىّ ؛ ومن دفع هذا فقد كابر وعاند. وإذا ثبت هذا فقد وقعت (٨) الخصوصيّة. وقد علمنا (٩) أنّ الأحمق البليد الطّبع الغبىّ (١٠) لا يدرك بفطنته ونظره ما يدركه العاقل الكيّس الفطن اللّطيف الطّبع من العلوم الدّقيقة والجليلة فى باب المعاش والصّناعات التى ذكرت أنّ النّاس اشتغلوا بها عن النّظر (١١) فى العلوم الدقيقة وأنهم بلغوا فى تلك الصّناعات ما يدقّ عن أفهامنا. والنّاس فى ذلك أيضا (١٢) يتفاوتون فى المراتب والطّبقات ويتفاضلون فى كلّ صناعة. وفى كلّ طبقة من النّاس فاضل ومفضول وعالم ومتعلّم ولا نرى أحدا (١٣) يدرك شيئا من الأمور بفطنته وكيسه وعقله إلّا بمعلّم يرشده وبقانون يرجع إليه ثمّ يتحدّى على مثاله ويبنى عليه أمره ؛ وهذا ما لا مرية فيه ، ولا يقدر أحد على دفعه.
وإذا ثبت هذا فقد جاز أن يقع التّفاضل فى النّاس ، والتّفاوت فى مراتبهم ؛ كما قد اجزت لنفسك ما تدّعيه أنّك أدركت (١٤) من علوم الفلسفة
__________________
(١) ـ بحيله : بحيلته AB (٢) ـ عن : من B (٣) ـ لادرك : لادراك B (٤) ـ فهل : نعم فهل B (٥) ـ يعينهم : يغنيهم C (٦) ـ ولست : وليست B (٧) ـ وفلان عاقل ... من فلان ـ B (٨) ـ وقعت : وجبت C (٩) ـ وقد علمنا : وعلمناB (١٠) ، البليد الطبع الغبى : الغبى البليد الطبع B (١١) ـ عن النظر : من النظرA (١٢) ـ فى ذلك أيضا : أيضا فى ذلك B (١٣) ـ احدا : احدC (١٤) ـ ادركت : قد ادركت A