خلف وهو يقول : لا نجوت إن نجوت ، فقال القوم : يا رسول الله يعطف عليه رجل منا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «دعوه» فلما دنا تناول رسول الله صلىاللهعليهوسلم الحربة من الحارث بن الصمة ، فقال بعض القوم فيما ذكر لي ـ فلما أخذها رسول الله صلىاللهعليهوسلم منه انتفض بها انتفاضة تطايرنا عنه تطاير الشّعراء (١) عن ظهر البعير إذا انتفض ، ثم استقبله رسول الله صلىاللهعليهوسلم فطعنه في عنقه طعنة تدأدأ (٢) منها عن فرسه مرارا.
وذكر الواقدي عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عمرو بن قتادة ، عن عبد الله بن كعب بن مالك ، عن أبيه ، نحو ذلك. قال الواقدي : وكان ابن عمر يقول : مات أبي بن خلف ببطن رابغ ، فإني لأسير ببطن رابغ بعد هوي (٣) من الليل ، إذا أنا بنار تأجج فهبتها ، فإذا رجل يخرج منها في سلسلة يجتذبها يهيج به العطش ، وإذا رجل يقول : لا تسقه ، فإن هذا قتيل رسول الله صلىاللهعليهوسلم. هذا أبي بن خلف.
وثبت في الصحيحين من رواية عبد الرزاق عن معمر ، عن همام بن منبه عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «اشتد غضب الله على قوم فعلوا برسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ وهو حينئذ يشير إلى رباعيته ـ واشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله صلىاللهعليهوسلم في سبيل الله» وأخرجه البخاري أيضا من حديث ابن جريج عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : اشتد غضب الله على من قتله رسول الله صلىاللهعليهوسلم بيده في سبيل الله ، واشتد غضب الله على قوم دمّوا وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٤).
قال ابن إسحاق (٥) : أصيبت رباعية رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وشج في وجنته ، وكلمت شفته ، وكان الذي أصابه عتبة بن أبي وقاص ، فحدثني صالح بن كيسان ، عمن حدثه عن سعد بن أبي وقاص قال : ما حرصت على قتل أحد قط ما حرصت على قتل عتبة بن أبي وقاص إن كان ما علمت لسيء الخلق مبغضا في قومه ، ولقد كفاني فيه قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم «اشتد غضب الله على من دمّى وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم».
وقال عبد الرزاق : أنبأنا معمر عن الزهري ، عن عثمان الجزري ، عن مقسم أن رسول اللهصلىاللهعليهوسلم دعا على عتبة بن أبي وقاص يوم أحد حين كسر رباعيته ودمّى وجهه ، فقال «اللهم لا تحل عليه الحول حتى يموت كافرا» فما حال عليه الحول حتى مات كافرا إلى النار ـ وذكر الواقدي عن ابن أبي سبرة ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ، عن أبي الحويرث ،
__________________
(١) الشعراء : قال ابن هشام : الشعراء ذباب له لدغ.
(٢) تدأدأ : تقلّب عن فرسه فجعل يتدحرج.
(٣) الهويّ من الليل : الساعة من الليل.
(٤) صحيح البخاري (مغازي باب ٢٤) وصحيح مسلم (جهاد حديث ١٠٦)
(٥) سيرة ابن هشام ٢ / ٨٦.