وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ) فليتفكروا فيها.
وهذا مشكل فإن هذه الآية مدنية ، وسؤالهم أن يكون الصفا ذهبا كان بمكة ، والله أعلم ، ومعنى الآية أن الله تعالى يقول : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي هذه في ارتفاعها واتساعها ، وهذه في انخفاضها وكثافتها واتضاعها ، وما فيهما من الآيات المشاهدة العظيمة من كواكب سيارات ، وثوابت وبحار وجبال وقفار وأشجار ونبات ، وزروع وثمار ، وحيوان ومعادن ، ومنافع مختلفة الألوان والروائح والطعوم والخواص ، (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) أي تعاقبهما وتقارضهما الطول والقصر ، فتارة يطول هذا ويقصر هذا ، ثم يعتدلان ثم يأخذ هذا من هذا فيطول الذي كان قصيرا ، ويقصر الذي كان طويلا. وكل ذلك تقدير العزيز العليم ، ولهذا قال تعالى (لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ) أي العقول التامة الذكية التي تدرك الأشياء بحقائقها على جلياتها ، وليسوا كالصم البكم الذين لا يعقلون ، الذين قال الله فيهم (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) [يوسف : ١٠٥ ـ ١٠٦] ثم وصف تعالى أولي الألباب ، فقال : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ). كما ثبت في صحيح البخاري (١) عن عمران بن حصين : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «صلّ قائما ، فإن لم تستطع فقاعدا ، فإن لم تستطع فعلى جنبك» أي لا يقطعون ذكره في جميع أحوالهم بسرائرهم وضمائرهم وألسنتهم ، (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي يفهمون ما فيهما من الحكم الدالة على عظمة الخالق وقدرته وعلمه وحكمته واختياره ورحمته. وقال الشيخ أبو سليمان الداراني : إني لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله علي فيه نعمة ولي فيه عبرة ، رواه ابن أبي الدنيا في كتاب التوكل والاعتبار وعن الحسن البصري أنه قال : تفكر ساعة خير من قيام ليلة ، وقال الفضيل قال الحسن : الفكرة مرآة تريك حسناتك وسيئاتك ، وقال سفيان بن عيينة : الفكرة نور يدخل قلبك وربما تمثل بهذا البيت : [المتقارب]
إذا المرء كانت له فكرة |
|
ففي كل شيء له عبرة |
وعن عيسى عليهالسلام أنه قال : طوبى لمن كان قيله تذكرا وصمته تفكرا ، ونظره عبرا ، وقال لقمان الحكيم : إن طول الوحدة ألهم للفكرة ، وطول الفكرة دليل على طرق باب الجنة ، وقال وهب بن منبه ما طالت فكرة امرئ إلا فهم ولا فهم امرؤ قط إلا علم ، ولا علم امرؤ قط إلا عمل. وقال عمر بن عبد العزيز : الكلام بذكر الله عزوجل حسن ، والفكرة في نعم الله أفضل العبادة. وقال مغيث الأسود : زوروا القبور كل يوم تفكركم ، وشاهدوا الموقف بقلوبكم ، وانظروا إلى المنصرف بالفريقين إلى الجنة أو النار ، وأشعروا قلوبكم وأبدانكم ذكر
__________________
(١) صحيح البخاري (تقصير باب ١٩)