أحاديث في ذلك مرسلة :
قال ابن جرير (١) : حدثنا ابن بشار ، حدثنا ابن أبي عدي عن عوف ، عن الحسن ، قال: بلغني أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» ، هذا مرسل حسن عن الحسن البصري رحمهالله. وقد قال ابن جرير أيضا رحمهالله : حدثنا ابن بشار ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثني أبي عن قتادة ، عن العلاء بن زياد ، عن أبي أيوب بشير بن كعب أن نبي اللهصلىاللهعليهوسلم قال «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» ، وحدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الأعلى عن سعيد ، عن قتادة ، عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال ، فذكر مثله.
حديث آخر : قال ابن جرير : حدثنا ابن بشار ، حدثنا أبو داود ، حدثنا عمران عن قتادة ، قال : كنا عند أنس بن مالك وثم أبو قلابة ، فحدث أبو قلابة فقال : إن الله تعالى لما لعن إبليس سأله النظرة ، فقال : وعزتك وجلالك لا أخرج من قلب ابن آدم ما دام فيه الروح ، فقال الله عزوجل : وعزتي لا أمنعه التوبة ما دام فيه الروح. وقد ورد هذا في حديث مرفوع رواه الإمام أحمد (٢) في مسنده من طريق عمرو بن أبي عمرو وأبي الهيثم العتواري ، كلاهما عن أبي سعيد عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، قال «قال إبليس : وعزتك لا أزال أغويهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم ، فقال الله عزوجل : وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني» فقد دلت هذه الأحاديث على أن من تاب إلى الله عزوجل وهو يرجو الحياة ، فإن توبته مقبولة ، ولهذا قال تعالى (فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) وأما متى وقع الإياس من الحياة ، وعاين الملك ، وحشرجت الروح في الحلق وضاق بها الصدر ، وبلغت الحلقوم ، وغرغرت النفس صاعدة في الغلاصم ، فلا توبة مقبولة حينئذ ، ولات حين مناص ، ولهذا قال (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) وهذا كما قال تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ) [غافر : ٨٤] ، وكما حكم تعالى بعدم توبة أهل الأرض إذا عاينوا الشمس طالعة من مغربها في قوله تعالى : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ ، أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) [الأنعام : ١٥٨] ، وقوله (وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) يعني أن الكافر إذا مات على كفره وشركه لا ينفعه ندمه ولا توبته ، ولا يقبل منه فدية ولو بملء الأرض.
قال ابن عباس وأبو العالية والربيع بن أنس (وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) قالوا : نزلت في
__________________
(١) تفسير الطبري ٣ / ٦٤٣.
(٢) مسند أحمد ٣ / ٤١.