والله أعلم.
وقوله (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَ) أي لا تضارّوهن في العشرة ، لتترك لك ما أصدقتها أو بعضه أو حقا من حقوقها عليك ، أو شيئا من ذلك على وجه القهر لها والاضطهاد. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (وَلا تَعْضُلُوهُنَ) يقول : ولا تقهروهن (لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَ) يعني الرجل ، تكون له امرأة وهو كاره لصحبتها ، ولها عليه مهر فيضرها لتفتدي ، وكذا قال الضحاك وقتادة ، واختاره ابن جرير.
وقال ابن المبارك وعبد الرزاق : أخبرنا معمر ، قال أخبرني سماك بن الفضل عن ابن السلماني ، قال : نزلت هاتان الآيتان ، إحداهما في أمر الجاهلية ، والأخرى في أمر الإسلام قال عبد الله بن المبارك : يعني قوله (لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) في الجاهلية ، (وَلا تَعْضُلُوهُنَ) في الإسلام (١).
وقوله (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) قال ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن المسيب والشعبي والحسن البصري ومحمد بن سيرين وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة وعطاء الخراساني والضحاك وأبو قلابة وأبو صالح والسدي وزيد بن أسلم وسعيد بن أبي هلال (٢) : يعني بذلك الزنا ، يعني إذا زنت فلك أن تسترجع منها الصداق الذي أعطيتها ، وتضاجرها حتى تتركه لك ، وتخالعها ، كما قال تعالى في سورة البقرة : (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ) [البقرة : ٢٢٩].
وقال ابن عباس وعكرمة والضحاك : الفاحشة المبينة النشوز والعصيان ، واختار ابن جرير أنه يعم ذلك كله الزنا والعصيان ، والنشوز وبذاء اللسان ، وغير ذلك. يعني أن هذا كله يبيح مضاجرتها حتى تبرئه من حقها أو بعضه ويفارقها ، وهذا جيد ، والله أعلم.
وقد تقدم فيما رواه أبو داود منفردا به من طريق يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس في قوله (لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) قال : وذلك أن الرجل كان يرث امرأة ذي قرابته فيعضلها حتى تموت ، أو ترد إليه صداقها ، فأحكم الله عن ذلك ، أي نهى عن ذلك. قال عكرمة والحسن البصري : وهذا يقتضي أن يكون السياق كله كان في أمر الجاهلية ، ولكن نهي المسلمون عن فعله في الإسلام.
وقال عبد الرحمن بن زيد : كان العضل في قريش بمكة ينكح الرجل المرأة الشريفة ، فلعلها لا توافقه فيفارقها على أن لا تتزوج إلا بإذنه ، فيأتي بالشهود فيكتب ذلك عليها ويشهد ، فإذا خطبها الخاطب فإن أعطته وأرضته أذن لها وإلا عضلها قال : فهذا قوله (وَلا تَعْضُلُوهُنَ
__________________
(١) حديث عبد الرزاق عبد الله بن المبارك في تفسير الطبري ٣ / ٦٥٠.
(٢) الآثار عن هؤلاء في تفسير الطبري ٣ / ٦٥٢.