القيامة (١). وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : لما أنزل الله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) قال المسلمون : إن الله قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ، والطعام هو أفضل أموالنا ، فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد ، فكيف للناس؟ فأنزل الله بعد ذلك (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) [النور : ٦١] ، وكذا قال قتادة.
وقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) قرئ تجارة بالرفع وبالنصب وهو استثناء منقطع ، كأنه يقول : لا تتعاطوا الأسباب المحرمة في اكتساب الأموال ، ولكن المتاجر المشروعة التي تكون عن تراض من البائع والمشتري فافعلوها وتسببوا بها في تحصيل الأموال ، كما قال تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) [الأنعام : ١٥١] ، وكقوله (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) [الدخان : ٥٦]. ومن هذه الآية الكريمة احتج الشافعي على أنه لا يصح البيع إلا بالقبول ، لأنه يدل على التراضي نصا بخلاف المعاطاة ، فإنها قد لا تدل على الرضى ولا بد ، وخالف الجمهور في ذلك مالك وأبو حنيفة وأحمد ، فرأوا أن الأقوال كما تدل على التراضي فكذلك الأفعال تدل في بعض المحال قطعا ، فصححوا بيع المعاطاة مطلقا ، ومنهم من قال : يصح في المحقرات وفيما يعده الناس بيعا وهو احتياط نظر من محققي المذهب ، والله أعلم.
وقال مجاهد (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) بيعا أو عطاء يعطيه أحد أحدا ، ورواه ابن جرير (٢) ، ثم قال : وحدثنا وكيع ، حدثنا أبي عن القاسم ، عن سليمان الجعفي ، عن أبيه ، عن ميمون بن مهران ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «البيع عن تراض والخيار بعد الصفقة ، ولا يحل لمسلم أن يغش مسلما» هذا حديث مرسل.
ومن تمام التراضي إثبات خيار المجلس ، كما ثبت في الصحيحين (٣) أن رسول اللهصلىاللهعليهوسلم قال «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا» وفي لفظ البخاري «إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا» ، وذهب إلى القول بمقتضى هذا الحديث أحمد والشافعي وأصحابهما وجمهور السلف والخلف ، ومن ذلك مشروعية خيار الشرط بعد العقد إلى ثلاثة أيام بحسب ما يتبين فيه حال البيع ولو إلى سنة في القرية ونحوها ، كما هو المشهور عن مالك رحمهالله ، وصححوا بيع المعاطاة مطلقا وهو قول في مذهب الشافعي ، ومنهم من قال : يصح بيع المعاطاة في المحقرات فيما يعده الناس بيعا وهو اختيار طائفة من الأصحاب كما هو متفق عليه.
وقوله (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) أي بارتكاب محارم الله ، وتعاطي معاصيه ، وأكل أموالكم
__________________
(١) الدر المنثور ٢ / ٢٥٧.
(٢) تفسير الطبري ٤ / ٣٥.
(٣) صحيح البخاري (بيوع باب ١٩ و ٢٢ و ٤٢ و ٤٣ و ٤٤ و ٤٦ و ٤٧) وصحيح مسلم (بيوع حديث ٤٣ و ٤٦ و ٤٧)