وقال السدي في الآية : فإن الرجال قالوا : نريد أن يكون لنا من الأجر الضعف على أجر النساء ، كما لنا في السهام سهمان ، وقالت النساء : نريد أن يكون لنا أجر مثل أجر الشهداء ، فإنا لا نستطيع أن نقاتل ، ولو كتب علينا القتال لقاتلنا ، فأبى الله ذلك ولكن قال لهم : سلوني من فضلي ، قال : ليس بعرض الدنيا ، وقد روي عن قتادة نحو ذلك. وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في الآية ، قال : ولا يتمنى الرجل فيقول : ليت لو أن لي مال فلان وأهله ، فنهى الله عن ذلك ، ولكن ليسأل الله من فضله وقال الحسن ومحمد بن سيرين وعطاء والضحاك ، نحو هذا ؛ وهو الظاهر من الآية ولا يرد على هذا ما ثبت في الصحيح «لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق فيقول رجل : لو أن لي مثل ما لفلان لعملت مثله فهما في الأجر سواء» ، فإن هذا شيء غير ما نهت عنه الآية ، وذلك أن الحديث حض على تمني مثل نعمة هذا ، والآية نهت عن تمني عين نعمة هذا ، فقال (وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) أي في الأمور الدنيوية ، وكذا الدينية أيضا ، لحديث أم سلمة وابن عباس. وهكذا قال عطاء بن أبي رباح : نزلت في النهي عن تمني ما لفلان ، وفي تمني النساء أن يكن رجالا فيغزون ، رواه ابن جرير.
ثم قال (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) أي كل له جزاء على عمله بحسبه إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، هذا قول ابن جرير (١).
وقيل : المراد بذلك في الميراث ، أي كل يرث بحسبه ، رواه الترمذي عن ابن عباس.
ثم أرشدهم إلى ما يصلحهم ، فقال (وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ) لا تتمنوا ما فضلنا به بعضكم على بعض ، فإن هذا أمر محتوم ، والتمني لا يجدي شيئا ، ولكن سلوني من فضلي أعطكم ، فإني كريم وهاب ، وقد روى الترمذي وابن مردويه من حديث حماد بن واقد ، سمعت إسرائيل عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «سلوا الله من فضله ، فإن الله يحب أن يسأل ، وإن أفضل العبادة انتظار الفرج» ثم قال الترمذي : كذا رواه حماد بن واقد ، وليس بالحافظ ، ورواه أبو نعيم عن إسرائيل ، عن حكيم بن جبير ، عن رجل ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، وحديث أبي نعيم أشبه أن يكون أصح ، وكذا رواه ابن مردويه من حديث وكيع عن إسرائيل ، ثم رواه من حديث قيس بن الربيع عن حكيم بن جبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «سلوا الله من فضله ، فإن الله يحب أن يسأل ، وإن أحب عباده إليه الذي يحب الفرج».
ثم قال (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) أي هو عليم بمن يستحق الدنيا فيعطيه منها ، وبمن يستحق الفقر فيفقره ، وعليم بمن يستحق الآخرة فيقيضه لأعمالها ، وبمن يستحق الخذلان
__________________
(١) تفسير الطبري ٤ / ٥١.