وأتممها علينا».
وقد حمل بعض السلف هذه الآية على بخل اليهود بإظهار العلم الذي عندهم من صفة محمد صلىاللهعليهوسلم وكتمانهم ذلك ، ولهذا قال تعالى : (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) ، رواه ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، وقاله مجاهد وغير واحد ، ولا شك أن الآية محتملة لذلك ، والظاهر أن السياق في البخل بالمال ، وإن كان البخل بالعلم داخلا في ذلك بطريق الأولى ، فإن السياق في الإنفاق على الأقارب والضعفاء ، وكذلك الآية التي بعدها وهي قوله (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ) فإنه ذكر الممسكين المذمومين وهم البخلاء ، ثم ذكر الباذلين المرائين الذين يقصدون بإعطائهم السمعة وأن يمدحوا بالكرم ، ولا يريدون بذلك وجه الله ، وفي حديث الثلاثة الذين هم أول من تسجر بهم النار وهم : العالم ، والغازي ، والمنفق المراؤون بأعمالهم ، «يقول صاحب المال : ما تركت من شيء تحب أن ينفق فيه إلا أنفقت في سبيلك ، فيقول الله : كذبت إنما أردت أن يقال : جواد فقد قيل» أي فقد أخذت جزاءك في الدنيا وهو الذي أردت بفعلك ، وفي الحديث أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال لعدي بن حاتم «إن أباك رام أمرا فبلغه» (١). وفي حديث آخر : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم سئل عن عبد الله بن جدعان : هل ينفعه إنفاقه وإعتاقه؟ فقال : «لا ، إنه لم يقل يوما من الدهر رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين» (٢) ، ولهذا قال تعالى : (وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) الآية ، أي إنما حملهم على صنيعهم هذا القبيح وعدولهم عن فعل الطاعة على وجهها الشيطان ، فإنه سول لهم وأملى لهم ، وقارنهم فحسن لهم القبائح ، ولهذا قال تعالى : (وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً) ، ولهذا قال الشاعر : [الطويل]
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه |
|
فكل قرين بالمقارن يقتدي (٣) |
ثم قال تعالى : (وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ) الآية ، أي وأي شيء يضرهم لو آمنوا بالله وسلكوا الطريق الحميدة ، وعدلوا عن الرياء إلى الإخلاص والإيمان بالله ورجاء موعوده في الدار الآخرة لمن أحسن عملا ، وأنفقوا مما رزقهم الله في الوجوه التي يحبها الله ويرضاها ، وقوله (وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً) أي وهو عليم بنياتهم الصالحة والفاسدة ، وعليم بمن يستحق التوفيق منهم فيوفقه ، ويلهمه رشده ، ويقيضه لعمل صالح يرضى به عنه ، وبمن يستحق الخذلان والطرد عن جناية الأعظم الإلهي الذي من طرد عن بابه ، فقد خاب وخسر في الدنيا والآخرة ، عياذا بالله من ذلك.
__________________
(١) مسند أحمد ٤ / ٢٥٨.
(٢) مسند أحمد ٦ / ١٢٠.
(٣) البيت لعدي بن زيد. وهو في تفسير الطبري ٤ / ٩٠.