الصلاة على هيئة ناقصة تناقض مقصودها ، وعن الدخول إلى محلها على هيئة ناقصة ، وهي الجنابة المباعدة للصلاة ، ولمحلها أيضا ، والله أعلم.
وقوله (حَتَّى تَغْتَسِلُوا) دليل لما ذهب إليه الأئمة الثلاثة ، أبو حنيفة ومالك والشافعي ، أنه يحرم على الجنب المكث في المسجد حتى يغتسل أو يتيمم ، إن عدم الماء ، أو لم يقدر على استعماله بطريقه ، وذهب الإمام أحمد : إلى أنه متى توضأ الجنب ، جاز له المكث في المسجد ، لما روى هو وسعيد بن منصور في سننه بسند صحيح : أن الصحابة كانوا يفعلون ذلك. قال سعيد بن منصور في سننه : حدثنا عبد العزيز بن محمد ، هو الدراوردي ، عن هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، قال : رأيت رجالا من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، يجلسون في المسجد وهم مجنبون ، إذا توضأوا وضوء الصلاة. وهذا إسناد على شرط مسلم ، والله أعلم.
وقوله (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) أما المرض المبيح للتيمم ، فهو الذي يخاف معه من استعمال الماء ، فوات عضو أو شينه أو تطويل البرء ، ومن العلماء من جوز التيمم بمجرد المرض ، لعموم الآية ، وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل ، حدثنا قيس ، عن خصيف عن مجاهد في قوله (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى) قال : نزلت في رجل من الأنصار ، كان مريضا فلم يستطع أن يقوم فيتوضأ ، ولم يكن له خادم فيناوله ، فأتى النبي صلىاللهعليهوسلم فذكر ذلك له ، فأنزل الله هذه الآية ، هذا مرسل والسفر معروف ، ولا فرق فيه بين الطويل والقصير.
وقوله (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) الغائط هو المكان المطمئن من الأرض ، كنى بذلك عن التغوط ، وهو الحدث الأصغر ، وأما قوله (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) فقرىء لمستم ولامستم ، واختلف المفسرون والأئمة في معنى ذلك على قولين : [أحدهما] : أن ذلك كناية عن الجماع ، لقوله تعالى : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) [البقرة : ٢٣٧] وقال تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها) [الأحزاب : ٤٩] قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) قال : الجماع. وروي عن علي وأبي بن كعب ومجاهد وطاوس والحسن وعبيد بن عمير وسعيد بن جبير والشعبي وقتادة ومقاتل بن حيان ، نحو ذلك ، وقال ابن جرير (١) : حدثني حميد بن مسعدة ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا شعبة عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، قال : ذكروا اللمس ، فقال ناس من الموالي : ليس بالجماع ، وقال ناس من
__________________
(١) تفسير الطبري ٤ / ١٠٤.