حدثنا سهل بن أبي حازم عن ثابت ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «من وعده الله على عمل ثوابا ، فهو منجزه له ، ومن توعده على عمل عقابا ، فهو فيه بالخيار» تفردا به. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا بحر بن نصر الخولاني ، حدثنا خالد يعني ابن عبد الرحمن الخراساني ، حدثنا الهيثم بن حماد عن سلام بن أبي مطيع عن بكر بن عبد الله المزني ، عن ابن عمر ، قال : كنا أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم لا نشك في قاتل النفس ، وآكل مال اليتيم ، وقاذف المحصنات ، وشاهد الزور ، حتى نزلت هذه الآية (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) فأمسك أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم عن الشهادة ، ورواه ابن جرير (١) من حديث الهيثم بن جمّاز به.
وقال ابن أبي حاتم أيضا : حدثنا عبد الملك بن أبي عبد الرحمن المقري ، حدثنا عبد الله بن عاصم ، حدثنا صالح يعني المري ، حدثنا أبو بشر عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : كنا لا نشك فيمن أوجب الله له النار في الكتاب ، حتى نزلت علينا هذه الآية (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) قال : فلما سمعناها كففنا عن الشهادة وأرجينا الأمور إلى الله عزوجل.
وقال البزار : حدثنا محمد بن عبد الرحيم ، حدثنا شيبان بن أبي شيبة ، حدثنا حرب بن سريج عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر : قال : كنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر حتى سمعنا نبينا صلىاللهعليهوسلم يقول (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) وقال : «أخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي يوم القيامة».
وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع ، أخبرني مجبّر عن عبد الله بن عمر أنه قال : لما نزلت (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) [الزمر : ٥٣] إلى آخر الآية ، قام رجل فقال : والشرك بالله يا نبي الله؟ فكره ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ، وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً) رواه ابن جرير ، وقد رواه ابن مردويه من طرق عن ابن عمر.
وهذه الآية (٢) التي في سورة تنزيل مشروطة بالتوبة ، فمن تاب من أي ذنب وإن تكرر منه ، تاب الله عليه ، ولهذا قال (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) [الزمر : ٥٣] أي بشرط التوبة ، ولو لم يكن كذلك لدخل الشرك فيه ، ولا يصح ذلك لأنه تعالى قد حكم هاهنا بأنه لا يغفر الشرك ، وحكم بأنه يغفر ما عداه لمن يشاء ، أي : وإن لم يتب صاحبه فهذه أرجى من تلك من هذا الوجه ، والله أعلم.
وقوله (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً) كقوله (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان :
__________________
(١) تفسير الطبري ٤ / ١٢٩.
(٢) أي الآية ٥٣ من سورة الزمر : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا ...).