نامت أعين الجبناء.
وقوله : (وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) أي حصينة منيعة عالية رفيعة ، وقيل ، هي بروج في السماء قال السدي ، وهو ضعيف ، والصحيح أنها المنيعة ، أي لا يغني حذر وتحصن من الموت ، كما قال زهير بن أبي سلمى : [الطويل]
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه |
|
ولو رام أسباب السماء بسلم |
ثم قيل : المشيدة هي المشيدة كما قال : وقصر مشيد وقيل : بل بينهما فرق ، وهو أن المشيدة بالتشديد هي المطولة ، وبالتخفيف هي المزينة بالشيد وهو الجص وقد ذكر ابن جرير (١) وابن أبي حاتم ـ هاهنا ـ حكاية مطولة عن مجاهد ، أنه ذكر أن امرأة فيمن كان قبلنا أخذها الطلق ، فأمرت أجيرها أن يأتيها بنار ، فخرج فإذا هو برجل واقف على الباب ، فقال : ما ولدت المرأة؟ فقال : جارية ، فقال : أما إنها ستزني بمائة رجل ثم يتزوجها أجيرها ويكون موتها بالعنكبوت. قال : فكر راجعا ، فبعج بطن الجارية بسكين فشقه ثم ذهب هاربا ، وظن أنها قد ماتت ، فخاطت أمها بطنها فبرئت وشبت وترعرعت ونشأت أحسن امرأة ببلدتها ، فذهب ذاك الأجير ما ذهب ودخل البحور فاقتنى أموالا جزيلة ، ثم رجع إلى بلده وأراد التزوج ، فقال لعجوز : أريد أن أتزوج بأحسن امرأة بهذه البلدة ، فقالت ليس هاهنا أحسن من فلانة ، فقال : اخطبيها علي ، فذهبت إليها فأجابت ، فدخل بها فأعجبته إعجابا شديدا ، فسألته عن أمره ومن أين مقدمه ، فأخبرها خبره وما كان من أمره في الجارية ، فقالت : أنا هي وأرته مكان السكين ، فتحقق ذلك ، فقال : لئن كنت إياها فلقد أخبرني باثنتين لا بد منهما إحداهما أنك قد زنيت بمائة رجل ، فقالت : لقد كان شيء من ذلك ولكن لا أدري ما عددهم فقال : هم مائة : والثاني أنك تموتين بالعنكبوت فاتخذ لها قصرا منيعا شاهقا ليحرزها من ذلك ، فبينما هم يوما فإذا بالعنكبوت في السقف فأراها ، فقالت : أهذه هي التي تحذرها علي ، والله لا يقتلها إلا أنا ، فأنزلوها من السقف ، فعمدت إليها فوطئتها بإبهام رجلها فقتلتها ، فطار من سمها شيء فوقع بين ظفرها ولحمها واسودت رجلها ، فكان في ذلك أجلها ، فماتت.
ونذكر هاهنا قصة صاحب الحضر وهو الساطرون (٢) لما احتال عليه سابور حتى حصره فيه وقتل من فيه بعد محاصرة سنتين ، وقالت العرب (٣) في ذلك أشعارا منها : [الخفيف]
وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجلة |
|
تجبى إليه والخابور |
__________________
(١) تفسير الطبري ٤ / ١٧٥.
(٢) الساطرون معناه بالسريانية : الملك. وقال ابن هشام (سيرة ١ / ٧١) : النعمان بن المنذر من ولد ساطرون ملك الحضر. والحضر : حصن عظيم كالمدينة على شاطئ الفرات.
(٣) الشعر لعدي بن زيد كما ذكر ابن هشام في السيرة النبوية.