يقال : إن فرض صلاة الحضر أربع ، كما قاله ابن عباس ـ والله أعلم ـ لكن اتفق حديث ابن عباس وعائشة على أن صلاة السفر ركعتان ، وأنها تامة غير مقصورة ، كما هو مصرح به في حديث عمر رضي الله عنه ، وإذا كان كذلك فيكون المراد بقوله تعالى : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) قصر الكيفية كما في صلاة الخوف ، ولهذا قال : (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) الآية ، ولهذا قال بعدها : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) [النساء : ١٠٢] الآية ، فبين المقصود من القصر هاهنا ، وذكر صفته وكيفيته ، ولهذا لما عقد البخاري كتاب صلاة الخوف صدره بقوله تعالى : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) إلى قوله : (إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) [النساء : ١٠٢] ، وهكذا قال جويبر عن الضحاك في قوله : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) قال : ذاك عند القتال يصلي الرجل الراكب تكبيرتين حيث كان وجهه.
وقال أسباط عن السدي في قوله : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ) الآية ، إن الصلاة إذا صليت ركعتين في السفر ، فهي تمام التقصير لا يحل إلا أن يخاف من الذين كفروا أن يفتنوه عن الصلاة فالتقصير ركعة. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) يوم كان النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه بعسفان ، والمشركون بضجنان ، فتوافقوا ، فصلى النبي صلىاللهعليهوسلم بأصحابه صلاة الظهر أربع ركعات بركوعهم ، وسجودهم ، وقيامهم معا جميعا فهم بهم المشركون أن يغيروا على أمتعتهم وأثقالهم ، روى ذلك ابن أبي حاتم ، ورواه ابن جرير (١) عن مجاهد والسدي وعن جابر وابن عمر ، واختار ذلك أيضا فإنه قال بعد ما حكاه من الأقوال في ذلك : وهو الصواب.
وقال ابن جرير (٢) : حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، حدثنا ابن أبي فديك ، حدثنا ابن أبي ذئب عن ابن شهاب ، عن أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد أنه قال لعبد الله بن عمر : إنا نجد في كتاب الله قصر صلاة الخوف ، ولا نجد قصر صلاة المسافر ، فقال عبد الله : إنا وجدنا نبينا صلىاللهعليهوسلم يعمل عملا عملنا به.
فقد سمى صلاة الخوف مقصورة وحمل الآية عليها لا على قصر صلاة المسافر ، وأقره ابن عمر على ذلك ، واحتج على قصر الصلاة في السفر بفعل الشارع لا بنص القرآن ، وأصرح من هذا ما رواه ابن جرير (٣) أيضا : حدثنا أحمد بن الوليد القرشي ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة عن سماك الحنفي قال : سألت ابن عمر عن صلاة السفر ، فقال : ركعتان تمام غير قصر ، إنما القصر في صلاة المخافة ، فقلت : وما صلاة المخافة؟ فقال : يصلي الإمام بطائفة ركعة ،
__________________
(١) تفسير الطبري ٤ / ٢٤٥.
(٢) تفسير الطبري ٤ / ٢٤٦.
(٣) تفسير الطبري ٤ / ٢٤٨.