فجعله في مشربة (١) له ، وفي المشربة سلاح ودرع وسيف ، فعدي عليه من تحت البيت ، فنقبت المشربة ، وأخذ الطعام والسلاح. فلما أصبح أتاني عمي رفاعة فقال : يا ابن أخي ، إنه قد عدي علينا في ليلتنا هذه ، فنقبت مشربتنا ، فذهب بطعامنا وسلاحنا ، قال : فتحسسنا في الدار وسألنا ، فقيل لنا : قد رأينا بني أبيرق استوقدوا في هذه الليلة ولا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم ، وقال : وكان بنو أبيرق قالوا ـ ونحن نسأل في الدار ـ : والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل رجلا منا له صلاح وإسلام ، فلما سمع لبيد اخترط سيفه وقال : أنا أسرق؟! والله ليخالطنكم هذا السيف أو لتبينن هذه السرقة ، قالوا : إليك عنا أيها الرجل فما أنت بصاحبها ، فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها ، فقال لي عمي : يا ابن أخي لو أتيت رسول اللهصلىاللهعليهوسلم فذكرت ذلك له ، قال قتادة : فأتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقلت : إن أهل بيت منا أهل جفاء عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقبوا مشربة له ، وأخذوا سلاحه وطعامه فليردوا علينا سلاحنا ، فأما الطعام ، فلا حاجة لنا فيه ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «سآمر في ذلك» ، فلما سمع بذلك بنو أبيرق أتوا رجلا منهم يقال له أسير بن عمرو فكلموه في ذلك ، فاجتمع في ذلك أناس من أهل الدار فقالوا : يا رسول الله ، إن قتادة بن النعمان وعمه ، عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت ، قال قتادة : فأتيت النبي صلىاللهعليهوسلم فكلمته ، فقال : «عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ، ترميهم بالسرقة على غير بينة ولا ثبت ، قال : فرجعت ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ذلك ، فأتاني عمي رفاعة فقال : يا ابن أخي ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : الله المستعان ، فلم نلبث أن نزل القرآن (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) يعني بني أبيرق ، (وَاسْتَغْفِرِ اللهَ) أي مما قلت لقتادة (إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ ـ إلى قوله ـ رَحِيماً) أي لو استغفروا الله لغفر لهم (وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ ـ إلى قوله ـ إِثْماً مُبِيناً) [النساء: ١١١] قولهم للبيد (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ ـ إلى قوله ـ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) [النساء : ٨٣] فلما نزل القرآن أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالسلاح فرده إلى رفاعة ، فقال قتادة : لما أتيت عمي بالسلاح وكان شيخا قد عسا (٢) أو عشا ـ الشك من أبي عيسى ـ في الجاهلية وكنت أرى إسلامه مدخولا (٣) لما أتيته بالسلاح قال : يا ابن أخي هو في سبيل الله ، فعرفت أن إسلامه كان صحيحا ، فلما نزل القرآن لحق بشير بالمشركين ، فنزل على سلافة بنت سعد بن سمية ، فأنزل الله تعالى : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ
__________________
(١) المشربة : الغرفة والعلية.
(٢) عسا : كبر وأسنّ.
(٣) أي فيه فساد ونفاق.