ابن ماجة من طرق عن الزهري به نحوه.
قال الإمام أحمد (١) : حدثنا أبو معاوية عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام ، والصلاة ، والصدقة؟» قالوا : بلى يا رسول الله. قال : «إصلاح ذات البين» ، قال : «وفساد ذات البين هي الحالقة» (٢). ورواه أبو داود والترمذي من حديث أبي معاوية ، وقال الترمذي : حسن صحيح. وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا محمد بن عبد الرحيم ، حدثنا سريج بن يونس ، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر حدثنا أبي عن حميد ، عن أنس أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال لأبي أيوب «ألا أدلك على تجارة؟» قال : بلى يا رسول الله. قال «تسعى في إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا ، وتقارب بينهم إذا تباعدوا» ثم قال البزار : وعبد الرحمن بن عبد الله العمري لين ، وقد حدث بأحاديث لم يتابع عليها.
ولهذا قال : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) أي مخلصا في ذلك محتسبا ثواب ذلك عند الله عزوجل ، (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) أي ثوابا جزيلا كثيرا واسعا.
وقوله : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى) أي ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول صلىاللهعليهوسلم ، فصار في شق ، والشرع في شق ، وذلك عن عمد منه بعد ما ظهر له الحق وتبين له واتضح له.
وقوله : (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) هذا ملازم للصفة الأولى ، ولكن قد تكون المخالفة لنص الشارع ، وقد تكون لما اجتمعت عليه الأمة المحمدية فيما علم اتفاقهم عليه تحقيقا ، فإنه قد ضمنت لهم العصمة في اجتماعهم من الخطأ تشريفا لهم وتعظيما لنبيهم ، وقد وردت أحاديث صحيحة كثيرة في ذلك ، قد ذكرنا منها طرفا صالحا في كتاب أحاديث الأصول ، ومن العلماء من ادعى تواتر معناها ، والذي عول عليه الشافعي رحمهالله في الاحتجاج على كون الإجماع حجة تحرم مخالفته هذه الآية الكريمة بعد التروي والفكر الطويل ، وهو من أحسن الاستنباطات وأقواها ، وإن كان بعضهم قد استشكل ذلك فاستبعد الدلالة منها على ذلك ، ولهذا توعد تعالى على ذلك بقوله : (نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) أي إذا سلك هذه الطريق جازيناه على ذلك بأن نحسنها في صدره ونزينها له استدراجا له ، كما قال تعالى : (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) [القلم : ٤٤] ، وقال تعالى : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) [الصف : ٥] ، وقوله : (وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) [الأنعام : ١١٠] وجعل النار مصيره في الآخرة ، لأن من خرج عن الهدى لم يكن له طريق إلا
__________________
(١) مسند أحمد ٦ / ٤٤٤.
(٢) الحالقة : التي تستأصل الدين فتحلقه كما يحلق الشعر.