إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى) هذه صفة ظواهرهم كما قال : (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى) [التوبة : ٥٤] ثم ذكر تعالى صفة بواطنهم الفاسدة ، فقال : (يُراؤُنَ النَّاسَ) أي لا إخلاص لهم ولا معاملة مع الله بل إنما يشهدون الناس تقية لهم ومصانعة ، ولهذا يتخلفون كثيرا عن الصلاة التي لا يرون فيها غالبا كصلاة العشاء في وقت العتمة ، وصلاة الصبح في وقت الغلس ، كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا ، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ، ثم أنطلق معي برجال ومعهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار» (١). وفي رواية «والذي نفسي بيده ، لو علم أحدهم أنه يجد عرقا سمينا أو مرماتين حسنتين ، لشهد الصلاة ، ولو لا ما في البيوت من النساء والذرية لحرقت عليهم بيوتهم».
وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ، حدثنا محمد بن دينار عن إبراهيم الهجري ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من أحسن الصلاة حيث يراه الناس وأساءها حيث يخلو ، فتلك استهانة استهان بها ربه عزوجل».
وقوله : (وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً) أي في صلاتهم لا يخشعون ولا يدرون ما يقولون بل هم في صلاتهم ساهون لاهون ، وعما يراد بهم من الخير معرضون ، وقد روى الإمام مالك عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «تلك صلاة المنافق ، تلك صلاة المنافق ، تلك صلاة المنافق ، يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان ، قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا» (٢) ، وكذا رواه مسلم والترمذي والنسائي من حديث إسماعيل بن جعفر المدني عن العلاء بن عبد الرحمن به ، وقال الترمذي : حسن صحيح.
وقوله : (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ) يعني المنافقين محيرين بين الإيمان والكفر ، فلا هم مع المؤمنين ظاهرا وباطنا ولا مع الكافرين ظاهرا وباطنا ، بل ظواهرهم مع المؤمنين وبواطنهم مع الكافرين ، ومنهم من يعتريه الشك ، فتارة يميل إلى هؤلاء وتارة يميل إلى أولئك (كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا) [البقرة : ٢٠] ، وقال مجاهد (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ) يعني أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم (وَلا إِلى هؤُلاءِ) يعني اليهود. وقال ابن جرير (٣) : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا عبيد الله عن
__________________
(١) صحيح البخاري (مواقيت الصلاة باب ٢٠ وأذان باب ٤٧) وسنن أبي داود (صلاة باب ٤٧) وسنن النسائي (إمامة باب ٤٥) وسنن ابن ماجة (مساجد باب ١٨)
(٢) موطأ مالك (كتاب القرآن حديث ٤٦)
(٣) تفسير الطبري ٤ / ٣٣٤.