قال محمد بن إسحاق (١) ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قال سكين وعدي بن زيد : يا محمد ما نعلم أن الله أنزل على بشر من شيء بعد موسى ، فأنزل الله في ذلك من قولهما : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) إلى آخر الآيات. وقال ابن جرير (٢) : حدثنا الحارث ، حدثنا عبد العزيز ، حدثنا أبو معشر عن محمد بن كعب القرظي ، قال : أنزل الله (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ) [النبأ : ١٥٣] إلى قوله : (وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً) [النساء: ١٥٦] قال : فلما تلاها عليهم يعني على اليهود ، وأخبرهم بأعمالهم الخبيثة ، جحدوا كل ما أنزل الله وقالوا : ما أنزل الله على بشر من شيء ، ولا على موسى ولا على عيسى ولا على نبي من شيء ، قال : فحل حبوته ، وقال : ولا على أحد ، فأنزل الله عزوجل (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام : ٩١] وفي هذا الذي قاله محمد بن كعب القرظي نظر ، فإن هذه الآية التي في سورة الأنعام مكية ، وهذه الآية التي في سورة النساء مدنية ، وهي رد عليهم لما سألوا النبي صلىاللهعليهوسلم أن ينزل عليهم كتابا من السماء ، قال الله تعالى : (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ) [النساء : ١٥٣] ثم ذكر فضائحهم ومعايبهم وما كانوا عليه وما هم عليه الآن من الكذب والافتراء ، ثم ذكر تعالى أنه أوحى إلى عبده ورسوله محمدصلىاللهعليهوسلم ، كما أوحى إلى غيره من الأنبياء المتقدمين ، فقال : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) إلى قوله : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) والزبور اسم الكتاب الذي أوحاه الله إلى داود عليهالسلام وسنذكر ترجمة كل واحد من هؤلاء الأنبياء عليهم من الله أفضل الصلاة والسلام ، عند قصصهم من سورة الأنبياء إن شاء الله وبه الثقة وعليه التكلان.
وقوله : (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) أي من قبل هذه الآية ، يعني في السور المكية وغيرها وهذه تسمية الأنبياء الذين نص الله على أسمائهم في القرآن وهم : آدم وإدريس ونوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وأيوب وشعيب وموسى وهارون ويونس وداود وسليمان وإلياس واليسع وزكريا ويحيى وعيسى ، وكذا ذو الكفل عند كثير من المفسرين وسيدهم محمد صلىاللهعليهوسلم.
وقوله : (وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) أي خلقا آخرين لم يذكروا في القرآن ، وقد اختلف في عدة الأنبياء والمرسلين ، والمشهور في ذلك حديث أبي ذر الطويل ، وذلك فيما رواه ابن مردويه رحمهالله في تفسيره حيث قال : حدثنا إبراهيم بن محمد حدثنا جعفر بن محمد بن الحسن والحسين بن عبد الله بن يزيد ، قالا : حدثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني ، حدثني أبي عن جدي ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن أبي ذر ، قال : يا رسول الله ، كم
__________________
(١) سيرة ابن هشام ١ / ٥٦٢ وتفسير الطبري ٤ / ٣٦٦.
(٢) تفسير الطبري ٤ / ٣٦٧.