داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أن قوما أسلموا ثم ارتدوا ثم أسلموا ثم ارتدوا ، فأرسلوا إلى قومهم يسألون لهم ، فذكروا ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فنزلت هذه الآية : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) وهكذا رواه ، وإسناده جيد.
ثم قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ) أي من مات على الكفر فلن يقبل منه خير أبدا ، ولو كان قد أنفق ملء الأرض ذهبا فيما يراه قربة ، كما سئل النبي صلىاللهعليهوسلم عن عبد الله بن جدعان وكان يقري الضيف ويفك العاني ويطعم الطعام : هل ينفعه ذلك؟ فقال «لا ، إنه لم يقل يوما من الدهر : ربي اغفر لي خطيئتي يوم الدين» وكذلك لو افتدى بملء الأرض ذهبا ما قبل منه ، كما قال تعالى : (وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ) [البقرة : ١٢٣] وقال (لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ) [إبراهيم : ٣١] ، وقال (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [المائدة : ٣٦]. ولهذا قال تعالى هاهنا : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ) فعطف (وَلَوِ افْتَدى) به على الأول ، فدل على أنه غيره ، وما ذكرناه أحسن من أن يقال : إن الواو زائدة ، والله أعلم ، ويقتضي ذلك أن لا ينقذه من عذاب الله شيء ولو كان قد أنفق مثل الأرض ذهبا ، ولو افتدى نفسه من الله بملء الأرض ذهبا ، بوزن جبالها وتلالها وترابها ورمالها وسهلها ووعرها وبرها وبحرها.
وقال الإمام أحمد (١) : حدثنا حجاج ، حدثني شعبة عن أبي عمران الجوني ، عن أنس بن مالك ، أن النبي صلىاللهعليهوسلم ، قال «يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة : أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء ، أكنت مفتديا به؟ قال : فيقول : نعم ، فيقول الله : قد أردت منك أهون من ذلك ، قد أخذت عليك في ظهر أبيك آدم أن لا تشرك بي شيئا ، فأبيت إلا أن تشرك» وهكذا أخرجه البخاري ومسلم.
طريق أخرى : وقال الإمام أحمد (٢) : حدثنا روح ، حدثنا حماد عن ثابت ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يؤتى بالرجل من أهل الجنة فيقول له : يا ابن آدم ، كيف وجدت منزلك؟ فيقول : أي رب خير منزل ، فيقول : سل وتمن ، فيقول : ما أسأل ولا أتمنى إلا أن تردني إلى الدنيا فأقتل في سبيلك عشر مرار ، لما يرى من فضل الشهادة ، ويؤتى بالرجل من أهل النار فيقول له : يا ابن آدم ، كيف وجدت منزلك؟ فيقول : يا رب شر منزل ، فيقول له : أتفتدي مني بطلاع (٣) الأرض ذهبا؟ فيقول : أي رب نعم ، فيقول : كذبت ، قد سألتك أقل من ذلك وأيسر
__________________
(١) مسند أحمد ٣ / ١٢٧.
(٢) مسند أحمد ٣ / ١٣١.
(٣) طلاع الأرض : ما يملؤها حتى يفيض عنها.