التي نتابعك إن أخبرتنا بها ، إنه ليس من نبي إلا له ملك يأتيه بالخبر فأخبرنا من صاحبك؟ قال : «جبريل عليهالسلام» ، قالوا : جبريل ذاك ينزل بالحرب والقتال والعذاب عدونا ، لو قلت : ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر ، لكان ، فأنزل الله تعالى : (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) [البقرة : ٩٧] والآية بعدها.
وقد رواه الترمذي والنسائي ، من حديث عبد الله بن الوليد العجلي به نحوه ، وقال الترمذي : حسن غريب ، وقال ابن جريج والعوفي عن ابن عباس : كان إسرائيل عليهالسلام ـ وهو يعقوب ـ يعتريه عرق النسا بالليل ، وكان يقلقه ويزعجه عن النوم ، ويقلع الوجع عنه بالنهار ، فنذر لله لئن عافاه الله لا يأكل عرقا ولا يأكل ولد ما له عرق ، وهكذا قال الضحاك والسدي ، كذا رواه وحكاه ابن جرير في تفسيره ، قال : فاتبعه بنوه في تحريم ذلك استنانا به واقتداء بطريقه ، قال : وقوله (مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ) أي حرم ذلك على نفسه من قبل أن تنزل التوراة.
قلت : ولهذا السياق بعد ما تقدم مناسبتان إحداهما : أن إسرائيل عليهالسلام حرم أحب الأشياء إليه وتركها لله ، وكان هذا سائغا في شريعتهم فله مناسبة بعد قوله (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) فهذا هو المشروع عندنا ، وهو الإنفاق في طاعة الله مما يحبه العبد ويشتهيه ، كما قال تعالى : (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ) [البقرة : ١٧٧] وقال تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) [الإنسان : ٨] الآية.
المناسبة الثانية : لما تقدم بيان الرد على النصارى ، واعتقادهم الباطل في المسيح وتبيين زيف ما ذهبوا إليه وظهور الحق واليقين في أمر عيسى وأمه ، كيف خلقه الله بقدرته ومشيئته وبعثه إلى بني إسرائيل يدعو إلى عبادة ربه تبارك وتعالى ، شرع في الرد على اليهود قبحهم الله تعالى وبيان أن النسخ الذي أنكروا وقوعه وجوازه قد وقع ، فإن الله تعالى قد نص في كتابهم التوراة أن نوحا عليهالسلام لما خرج من السفينة ، أباح الله له جميع دواب الأرض يأكل منها ، ثم بعد هذا حرم إسرائيل على نفسه لحمان الإبل وألبانها فاتبعه بنوه في ذلك ، وجاءت التوراة بتحريم ذلك ، وأشياء أخرى زيادة على ذلك ، وكان الله عزوجل قد أذن لآدم في تزويج بناته من بنيه ، وقد حرم ذلك بعد ذلك ، وكان التسري على الزوجة مباحا في شريعة إبراهيم عليهالسلام ، وقد فعله إبراهيم في هاجر لما تسرى بها على سارة ، وقد حرم مثل هذا في التوراة عليهم ، وكذلك كان الجمع بين الأختين سائغا ، وقد فعله يعقوب عليهالسلام جمع بين الأختين ، ثم حرم عليهم ذلك في التوراة ، وهذا كله منصوص عليه في التوراة عندهم ، وهذا هو النسخ بعينه ، فكذلك فليكن ما شرعه الله للمسيح عليهالسلام ، في إحلاله بعض ما حرم في التوراة ، فما بالهم لم يتبعوه؟ بل كذبوه وخالفوه؟ وكذلك ما بعث الله به محمداصلىاللهعليهوسلم من الدين