شريك ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن علي رضي الله عنه في قوله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً) قال : كانت البيوت قبله ، ولكنه كان أول بيت وضع لعبادة الله.
وحدثنا أبي ، حدثنا الحسن بن الربيع ، حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن خالد بن عرعرة ، قال : قام رجل إلى علي رضي الله عنه ، فقال : ألا تحدثني عن البيت ، أهو أول بيت وضع في الأرض؟ قال : لا ، ولكنه أول بيت وضع فيه البركة مقام إبراهيم ، ومن دخله كان آمنا ، وذكر تمام الخبر في كيفية بناء إبراهيم البيت ، وقد ذكرنا ذلك مستقصى في أول سورة البقرة فأغنى عن إعادته هنا ، وزعم السدي أنه أول بيت وضع على وجه الأرض مطلقا ، والصحيح قول علي رضي الله عنه. فأما الحديث الذي رواه البيهقي في بناء الكعبة في كتابه دلائل النبوة من طريق ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا بعث الله جبريل إلى آدم وحواء ، فأمرهما ببناء الكعبة ، فبناه آدم ، ثم أمر بالطواف به ، وقيل له : أنت أول الناس ، وهذا أول بيت وضع للناس» فإنه كما ترى من مفردات ابن لهيعة وهو ضعيف. والأشبه ، والله أعلم ، أن يكون هذا موقوفا على عبد الله بن عمرو ، ويكون من الزاملتين (١) اللتين أصابهما يوم اليرموك من كلام أهل الكتاب.
وقوله تعالى : (لَلَّذِي بِبَكَّةَ) بكة من أسماء مكة على المشهور ، قيل : سميت بذلك لأنها تبك أعناق الظلمة والجبابرة بمعنى أنهم يذلون بها ويخضعون عندها وقيل : لأن الناس يتباكون فيها أي يزدحمون. قال قتادة : إن الله بك به الناس جميعا ، فيصلي النساء أمام الرجال ولا يفعل ذلك ببلد غيرها ، وكذا روي عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعمرو بن شعيب ومقاتل بن حيان. وذكر حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنه ، قال : مكة من الفج إلى التنعيم ، وبكة من البيت إلى البطحاء ، وقال شعبة ، عن المغيرة ، عن إبراهيم : بكة البيت والمسجد ، وكذا قال الزهري. وقال عكرمة ، في رواية ، وميمون بن مهران : البيت وما حوله بكة ، وما وراء ذلك مكة. وقال أبو صالح وإبراهيم النخعي وعطية العوفي ومقاتل بن حيان : بكة موضع البيت وما سوى ذلك مكة ، وقد ذكروا لمكة أسماء كثيرة : مكة ، وبكة ، والبيت العتيق ، والبيت الحرام ، والبلد الأمين ، والمأمون ، وأم رحم ، وأم القرى ، وصلاح ، والعرش على وزن بدر ، والقادس لأنها تطهر من الذنوب ، والمقدسة ، والناسة بالنون ، وبالباء أيضا والحاطمة ، والنسّاسة ، والرأس ، وكوثاء والبلدة ، والبنية ، والكعبة (٢).
وقوله تعالى : (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ) أي دلالات ظاهرة أنه من بناء إبراهيم ، وأن الله عظمه
__________________
(١) الزاملة : ما يحمل عليه من الإبل وغيرها. ولعل المراد هنا : حمل زاملتين أصابهما إلخ ...
(٢) انظر الآثار الواردة في معاني «بكة» في الدر المنثور للسيوطي ٢ / ٩٣ ـ ٩٤.