وهو الشفاء النافع ، عصمة لمن تمسك به ، ونجاة لمن اتبعه» ، وروي من حديث حذيفة وزيد بن أرقم نحو ذلك. وقال وكيع : حدثنا الأعمش عن أبي وائل قال : قال عبد الله : إن هذا الصراط محتضر يحضره الشياطين. يا عبد الله هذا الطريق ، هلم إلى الطريق فاعتصموا بحبل الله فإن حبل الله القرآن.
وقوله : (وَلا تَفَرَّقُوا) أمرهم بالجماعة ونهاهم عن التفرقة ، وقد وردت الأحاديث المتعددة بالنهي عن التفرق ، والأمر بالاجتماع والائتلاف ، كما في صحيح مسلم من حديث سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «إن الله يرضى لكم ثلاثا ، ويسخط لكم ثلاثا ، يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ، ويسخط لكم ثلاثا : قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال» (١) وقد ضمنت لهم العصمة عند اتفاقهم من الخطأ ، كما وردت بذلك الأحاديث المتعددة أيضا ، وخيف عليهم الافتراق والاختلاف ، وقد وقع ذلك في هذه الأمة فافترقوا على ثلاث وسبعين فرقة ، منها فرقة ناجية إلى الجنة ومسلمة من عذاب النار ، وهم الذين على ما كان عليه النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه.
وقوله تعالى : (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً) إلى آخر الآية ، وهذا السياق في شأن الأوس والخزرج ، فإنه قد كان بينهم حروب كثيرة في الجاهلية ، وعداوة شديدة وضغائن وإحن وذحول (٢) ، طال بسببها قتالهم والوقائع بينهم ، فلما جاء الله بالإسلام ، فدخل فيه من دخل منهم ، صاروا إخوانا متحابين بجلال الله ، متواصلين في ذات الله ، متعاونين على البر والتقوى ، قال الله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ، وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) [الأنفال : ٦٣] إلى آخر الآية ، وكانوا على شفا حفرة من النار بسبب كفرهم ، فأنقذهم الله منها أن هداهم للإيمان ، وقد امتن عليهم بذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم قسم غنائم حنين ، فعتب من عتب منهم ، بما فضل عليهم في القسم ، بما أراه الله فخطبهم فقال «يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي ، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي ، وعالة فأغناكم الله بي؟» فكلما قال شيئا قالوا : الله ورسوله أمنّ. وقد ذكر محمد بن إسحاق بن يسار وغيره : أن هذه الآية نزلت في شأن الأوس والخزرج ، وذلك أن رجلا من اليهود مرّ بملإ من الأوس والخزرج ، فساءه ما هم عليه من الاتفاق والألفة ، فبعث رجلا معه وأمره أن يجلس بينهم ويذكرهم ما كان من حروبهم يوم بعاث وتلك الحروب ، ففعل ، فلم يزل ذلك دأبه ، حتى حميت نفوس القوم ، وغضب بعضهم على بعض ، وتثاوروا ونادوا بشعارهم وطلبوا أسلحتهم
__________________
(١) صحيح مسلم (أقضية حديث ١٠) وموطأ مالك (كلام حديث ٢٠)
(٢) الذحول : الأحقاد والعداوات.