التي يخشى أن يفشوها إلى الأعداء من أهل الحرب ، ولهذا قال تعالى : (لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ).
وقد قال الحافظ أبو يعلى : حدثنا إسحاق بن إسرائيل ، حدثنا هشيم ، حدثنا العوام عن الأزهر بن راشد ، قال : كانوا يأتون أنسا فإذا حدثهم بحديث لا يدرون ما هو ، أتوا الحسن يعني البصري ، فيفسره لهم ، قال : فحدث ذات يوم عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال «لا تستضيئوا بنار المشركين ، ولا تنقشوا في خواتيمكم عربيا» فلم يدروا ما هو ، فأتوا الحسن فقالوا له : إن أنسا حدثنا أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «لا تستضيئوا بنار المشركين ، ولا تنقشوا في خواتيمكم عربيا» فقال الحسن : أما قوله «لا تنقشوا في خواتيمكم عربيا» : محمد صلىاللهعليهوسلم ، وأما قوله : «لا تستضيئوا بنار المشركين» يقول : لا تستشيروا المشركين في أموركم. ثم قال الحسن : تصديق ذلك في كتاب الله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ) هكذا رواه الحافظ أبو يعلى رحمهالله تعالى ، وقد رواه النسائي عن مجاهد بن موسى ، عن هشيم ، ورواه الإمام أحمد عن هشيم بإسناده مثله في غير ذكر تفسير الحسن البصري.
وهذا التفسير فيه نظر ومعناه ظاهر «لا تنقشوا في خواتيمكم عربيا» أي بخط عربي ، لئلا يشابه نقش خاتم النبي صلىاللهعليهوسلم ، فإنه كان نقشه «محمد رسول الله» ، ولهذا جاء في الحديث الصحيح أنه نهى أن ينقش أحد على نقشه. وأما الاستضاءة بنار المشركين ، فمعناه لا تقاربوهم في المنازل بحيث تكون معهم في بلادهم ، بل تباعدوا منهم ، وهاجروا من بلادهم ، ولهذا روى أبو داود «لا تتراءى نارهما» وفي الحديث الآخر «من جامع المشرك أو سكن معه فهو مثله» فحمل الحديث على ما قاله الحسن رحمهالله ، والاستشهاد عليه بالآية فيه نظر ، والله أعلم.
ثم قال تعالى : (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) أي قد لاح على صفحات وجوههم ، وفلتات ألسنتهم من العداوة ، مع ما هم مشتملون عليه في صدورهم من البغضاء للإسلام وأهله ، ما لا يخفى مثله على لبيب عاقل ، ولهذا قال تعالى : (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ).
وقوله تعالى : (ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ) أي أنتم أيها المؤمنون تحبون المنافقين بما يظهرونه لكم من الإيمان فتحبونهم على ذلك ، وهم لا يحبونكم لا باطنا ولا ظاهرا ، (وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ) أي ليس عندكم في شيء منه شك ولا ريب ، وهم عندهم الشك والريب والحيرة. وقال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس (وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ) أي بكتابكم وكتابهم وبما مضى من الكتب قبل ذلك ، وهم يكفرون بكتابكم ، فأنتم أحق بالبغضاء لهم منهم لكم ، رواه ابن