وبالجملة : فهذه الوجوه الثلاثة المذكورة حول «غوى» تثبت وهن الاستدلال بها على العصيان.
* ٥. ما معنى قول آدم عليهالسلام : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا)
إنّ الظلم ليس إلّا بمعنى وضع الشيء في غير موضعه ، ومن أمثال العرب قولهم «من أشبه أباه فما ظلم». قال الأصمعي : الظلم : وضع الشيء في غير موضعه ، وفي المثل «من استرعى الذئب فقد ظلم» ولأجل ذلك يُعد العدول عن الطريق ظلماً ، يقال : «لزموا الطريق فلم يظلموه» أي لم يعدلوا عنه. (١)
فإذا كان معنى الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه وتجاوز الحد ، لا يلزم أن يكون كل ظلم ذنباً بل يشمله وغيره ، فمن لم يسمع قول الناصح المشفق وعمل بخلاف قوله فقد وضع عمله في غير موضعه ، كما انّ من خالف النهي التنزيهي فقد عدل عن الطريق الصحيح.
وبالجملة : فكل مخالفة وانحراف عن طريق الصواب ظلم. سواء أكان الأمر المخالف مولوياً أم إرشادياً ، إلزامياً أم غيره.
أضف إلى ذلك أنّه سبحانه يعد الظلم للنفس مقابلاً لعمل السوء ، ويقول : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً) (٢).
والآية تُعرب عن أنَّ الظلم للنفس ربّما يكون غير عمل السوء ، وعند ذلك يتضح أنّ قول آدم : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) لا يستلزم الاعتراف بالذنب ، لأنّ الظلم
__________________
(١). لسان العرب : مادة «ظلم».
(٢). النساء : ١١٠.