فكذلك الأعمال الخاطئة الناجمة من سوء التدبير وضلال السعي ، السائقة للإنسان إلى العواقب المرة ، تنسب إليه أيضاً.
فالمعاصي والأعمال الخاطئة كلاهما تصح نسبتهما إلى الشيطان بملاك أنّه عدو مضل للإنسان ، والعدو لا يرضى بصلاحه وفلاحه بل يدفعه إلى ما فيه ضرره في الآجل والعاجل ، ولأجل ذلك قال بعد ما قضى عليه : (هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ).
ب. انّ قتل القبطي كان عملاً ناجماً عن العجلة في محاولة تدمير العدو ، ولو أنّه كان يصبر على مضض الحياة قليلاً لنبذ القبطي مع جميع زملائه في اليم من دون أن توجد عاقبة وخيمة ، كما قال سبحانه : (فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) (١).
٢. وبذلك يعلم مفاد الجملة الثانية التي هي من إحدى مستمسكات المستدل أعني قوله : (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) ، فإنّ الكلام ليس مساوقاً للمعصية ومخالفة المولى ، بل هو كما صرح به أئمة اللغة وقدمنا نصوصهم عند البحث عن عصمة آدم عبارة عن وضع الشيء في غير موضعه ، وقد عرفت أنّ عمل موسى كان عملاً واقعاً في غير موقعه ، وخاطئاً من جهتين : من جهة أنّه ساقه إلى عاقبة مرة ، حيث اضطر إلى ترك الأهل والدار والديار ، ومن جهة أُخرى أنّه كان عملاً ناشئاً من الاستعجال في إهلاك العدو بلا موجب ، ولأجل تينك الجهتين كان عملاً واقعاً في غير محله ، فصح أن يوصف العمل بالظلم ، والعامل بالظالم ، والذي يعرب عن ذلك إنّه جعله ظلماً لنفسه لا للمولى ، ولو كان معصية لكان ظلماً لمولاه وتعدياً على حقوقه ، كما هو الحال في الشرك فإنّه ظلم للمولى وتعدّ
__________________
(١). القصص : ٤٠.