* الآية الثالثة : العصمة والأمر بطلب المغفرة
إنّه سبحانه يأمر نبيّه الأعظم ، بطلب الغفران منه ويقول مخاطباً رسوله : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً* وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً). (١) ويقول سبحانه : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ) (٢). وعندئذ يخطر في ذهن الإنسان : كيف تجتمع العصمة مع الأمر بطلب الغفران؟
أقول : التعرّف على ما مرّ في الآيتين ونظائرهما ، رهن الوقوف على الأصل المسلَّم بين العقلاء ، وهو أنّ عظمة الشخصية وخطر المسئولية متحالفان ، وربَّ عمل يُعد صدوره من شخص جرماً وخلافاً ، وفي الوقت نفسه لا يعد صدوره من إنسان آخر كذلك.
توضيح ذلك : انّ الأحكام الشرعية تنقسم إلى واجب وحرام ومستحب ومكروه ومباح ، ولا محيص عن الإتيان بالواجب وترك الحرام ، نعم هناك رخصة في ترك المستحب والإتيان بالمكروه ولكن المترقب من العارف بمصالح الأحكام ومفاسدها ، تحلية الواجبات بالمستحبات ، وترك المحرمات مع ترك المكروهات ولا يقصر عنه المباح ، فهو وإن أباحه الله سبحانه ولكن ربّما يترجح فعله على تركه أو العكس لعنوان ثانوي.
فالعارف بعظمة الرب يتحمّل من المسئولية ما لا يتحمله غيره ، فيكون المترقّب منه غير ما يترقّب من الآخر ، ولو صدر منه ما لا يليق ، وتساهل في هذا
__________________
(١). النساء : ١٠٥ ـ ١٠٦.
(٢). محمد : ١٩.