٣. قوله : (وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ) فإنّ طلب الغفران آية الذنب ، وهو لا يجتمع مع العصمة.
وإليك الجواب عن الوجوه الثلاثة :
الوجه الأوّل : كيف يجتمع قول نوح عليهالسلام : (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) مع قوله سبحانه : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ)
فتوضيح دفعه : أنّه سبحانه قد وعد نوحاً بإنجاء أهله إلّا مَنْ سبق عليه القول وقال : (حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) (١) ، وهذا الكلام يعرب عن أنّه سبحانه وعد بكلامه شيخ الأنبياء بأنّه ينجّي أهله ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر يجب أن نقف على حالة ابن نوح وأنّه إمّا أن يكون متظاهراً بالكفر وكان أبوه واقفاً على ذلك ، وإمّا أن يكون متظاهراً بالإيمان مبطناً للكفر ، وكان أبوه يتصوّر أنّه من المؤمنين به.
فعلى الفرض الأوّل : يجب أن يقال : إنّ نوحاً قد فهم من قوله سبحانه : (وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) في سورتي هود الآية ٤٠ والمؤمنون الآية ٢٧ (٢) انّه قد تعلّقت مشيئته بإنجاء جميع أهله الذين ينتمون إليه بالوشيجة النسبية والسببية ، سواء أكانوا مؤمنين أم كافرين غير امرأته التي كانت كامرأة لوط تخونه ليلاً ونهاراً ، وعندئذ يكون المراد من قوله : (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ) هو
__________________
(١). هود : ٤٠.
(٢). قال سبحانه في سورة هود : (قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ).
وقال سبحانه في سورة المؤمنون : (فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ).