* نظرة إجمالية على حياته
إنّ من أطلّ النظر على حياته صلىاللهعليهوآلهوسلم يقف على أنّه كان يعبد الله سبحانه ويعتكف ب «حراء» كل سنة شهراً ، ولم يكن اعتكافه مجرّد تفكير في جلاله وجماله وآياته وآثاره ، بل كان مع ذلك متعبداً لله قانتاً له ، وقد نزل الوحي عليه وخلع عليه ثوب الرسالة وهو متحنث (١) ب «حرّاء» ، وذلك مما اتفق عليه أهل السير والتاريخ.
قال ابن هشام : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يجاور ذلك الشهر من كل سنة ، يطعم من جاءه من المساكين ، فإذا قضى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم جواره من شهره ذلك ، كان أوّل ما يبدأ به إذا انصرف من جواره ، الكعبة ، قبل أن يدخل بيته ، فيطوف بها سبعاً أو ما شاء الله من ذلك ، ثمّ يرجع إلى بيته ، حتى إذا كان الشهر الذي أراد الله تعالى به فيه ما أراد من كرامته ، من السنة التي بعثه الله تعالى فيها ؛ وذلك الشهر شهر رمضان ، خرج رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى حراء كما كان يخرج لجواره ومعه أهله ، حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته ، ورَحِمَ العبادَ بها ، جاءه جبريلُ عليهالسلام بأمر الله تعالى. (٢)
ولم تكن عبادته منحصرة بالاعتكاف أو الطواف حول البيت بعد الفراغ منه ، بل دلت الروايات المتضافرة عن أئمّة أهل البيت على أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم حج عشرين حجة مستسراً. (٣)
__________________
(١). التحنث : هو التحنف ، بدّلت الفاء (ثاء) ، كما يقال (جدف) مكان جدث ، بمعنى القبر ، وربّما يقال : بأنّه بمعنى الخروج عن الحنث بمعنى الاثم ، كما أنّ التأثم هو الخروج عن الإثم ، والأوّل هو الأولى.
(٢). السيرة النبوية : ١ / ٢٣٦.
(٣). الوسائل : ٨ / ٨٧ باب ٤٥ ، استحباب تكرار الحج والعمرة ؛ البحار : ١١ / ٢٨٠.