هكذا فسّره الإمام الرضا عليهالسلام عند ما سأله المأمون عن مفاد الآية وقال : «ذلك يونس بن متى ذهب مغاضباً لقومه». (١)
وأمّا الثاني : أعني : (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) فالفعل ، أعني : (نقدر) ، من القدر بمعنى الضيق لا من القدرة ، قال سبحانه : (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ) (٢) ، وقال سبحانه : (إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) (٣) ، فمعنى الآية أنّه ظن أن لا يضيق عليه الأمر لترك الصبر والمصابرة مع قومه ، لا بمعنى أنّه خطر هذا الظن بباله ، بل كان ذهابه وترك قومه يمثل حالة من ظن أن لن نقدر عليه في خروجه من قومه من غير انتظار لأمر الله ، فكانت مفارقته قومه ممثلة لحال من يظن بمولاه ذلك.
وأمّا تفسيره بأنّه ظن أنّه سبحانه لا يقدر عليه ، فهو تفسير بما لا تصح نسبته إلى الجهلة من الناس فضلاً عن الأولياء والأنبياء.
وبما أنّ مفارقته قومه بلا إذن منه سبحانه ـ كان يمثل حال من يظن أن لا يضيّق مولاه عليه ـ ابتلاه الله بالحوت فالتقمه.
فوقف على أنّه ترك ما هو الأولى فعلاً ، فندم على عمله (فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ).
ونقل الزمخشري في كشّافه : عن ابن عباس أنّه دخل على معاوية فقال : لقد ضربتني أمواج القرآن البارحة ، فغرقت فيها ، فلم أجد لنفسي خلاصاً إلّا بك ، قال : وما هي يا معاوية؟ فقرأ هذه الآية وقال : أو يظن نبي الله أن لا يقدر عليه؟
__________________
(١). بحار الأنوار : ١٤ / ٣٨٧.
(٢). الطلاق : ٧.
(٣). الإسراء : ٣٠.