وانقياد لا تصاحبه مخالفة ، وقد أوضحنا عند البحث عن العصمة انّ إحدى أُسس العصمة هو العلم اليقين بنتائج المآثم وعواقب المخالفة علماً لا يغلب ، وانكشافاً لا يقهر ، وهذا العلم الذي كان يصاحب يوسف هو الذي صدّه عمّا اقترحت عليه امرأة العزيز.
ويمكن أن يكون المراد منه سائر الأُمور التي تفيض العصمة على العباد التي أوضحنا حالها. (١)
* ٤. دلالة الآية على عصمة يوسف عليهالسلام
إنّ الآية على رغم ما ذهبت إليه المخطّئة تدل على عصمة يوسف عليهالسلام قبل أن تدلّ على خلافها.
توضيحه : انّه سبحانه بيّن همّ العزيزة على وجه الإطلاق وقال : «و (هَمَّتْ بِهِ) ، وبيّن همّ يوسف بنحو الاشتراط وقال : (وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) ، فالقضية الشرطية لا تدل على وقوع الطرفين خصوصاً مع كلمة «لو لا» الدالة على عدم وقوعهما.
فإن قلت : إنّ كلًّا من الهمين مطلق حتى الهم الوارد في حق يوسف وانّما يلزم التعليق لو قلنا بجواز تقدم جواب لو لا الامتناعية عليها وهو غير جائز بالاتفاق وعليه فيكون قوله : (وَهَمَّ بِها) مطلقاً إذ ليس جواباً لكلمة «لو لا».
قلت : إنّ جواب «لو لا» محذوف وتقديره «لهمّ بها» وليست الجملة المتقدمة جواباً لها حتى يقال : انّ تقدم الجواب غير جائز بالاتفاق ، ومع ذلك فليست تلك الجملة مطلقة ، بل هي أيضاً مقيدة بما قيد به الجواب ، لأنّه إذا كان الجواب مقيداً
__________________
(١). راجع ص ٢١ ـ ٢٥ من هذا الكتاب.