فإنّ هذه الآية تدلّ على أنّ التعذيب قبل بعث الرسول مردود بحجة المعذّبين وهي قولهم : (لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ) ، فلا يصحّ التعذيب إلّا بعد إتمام الحجّة عليهم ببعث الرسل.
وهذا يعني أنّ الأشياء مباحة جائزة الارتكاب خالية عن العقوبة أصلاً ، إلّا إذا ردع عنها الشارع بشكل من الأشكال التي منها إرسال الأنبياء.
٧ ـ قوله سبحانه : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (المائدة / ١٩).
فإنّ ظاهر قوله : (ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ) أنّه حجّة تامّة صحيحة ، ويحتج به على كلّ من عذّب قبل البيان ، ولأجل ذلك قام سبحانه بإرسال الرسل حتى لا يُحتج عليه ، بل تكون الحجة لله سبحانه.
وهذا يعطي أنّه لا يحكم على حرمة شيء ولا يجوز التعذيب على ارتكابه قبل بيان حكمه ، وذلك لأنّ بعث البشير والنذير كناية عن بيان الأحكام.